ابتسامة من وراء الجدار
يُمكن أن يُقال ذلك بالهمس
الوطن يموت أوّلاً
هكذا نجد كنيةً لما احترق بكامله
لِمَا مضى كرسالة من مجهول
الأرقُ ضيفُنا الثاني
ليس هناك وقتٌ لهذه الزيارة
هناك خارج يتّسع
أرواح تحت الإسمنت
وليس قلباً ما يصل دائماً في الدقيقة الأخيرة
ما فقد أغنيته على الطريق
ليس الشارع أباً بعد
مُجرّد أعمار تائهة
والموت يلدُ فوق الأرصفة
من الصَّعب أن نسحَب الظِّلال
الدُّمى والألعاب والدُّعابات
من تحت الأنقاض
الحياة تلعبُ في الثقوب
وثمَّة أحياءٌ يلعبون تحت الوقت
ثمَّة ساعاتٌ مرقومة في الجباه
والنهاياتُ تتظاهر بالعُبور
ثمَّة بقيّة في الجَيب
آخِرُ "سنتيم" وآخِرُ ذكرى
أيّتها الحياة أنت طليقتنا
إنّنا نهبك لأوّل دبّابة
أوّل شجرة، أوّل بيت
نسمّيك للنفق والقذيفة
لروح عائدة
ولابتسامة من وراء الجدار.
■■■
مدينتان
أفكّر إذا كان هذا حقيقيّاً
إذا كان عليّ أن أذهب حالاً إلى النوم
ماذا سيكون غير أن أُصبح لحظةً فوق الوسادة
ماذا يحدُث إذا فكّرتُ بصوتٍ عالٍ
هل يصحُّ أن تدوس فوق الجميع
لأنّهم تركوا قتيلَين في مطبخك
الانتقام يُمكنه أن يكونَ جواباً أرعن
أنتَ بالتأكيد تقصد الرّجُل الخطأ
الذي لا يعرف ماذا يفعل بجثّة ابنه
إذا كان هذا يجعلُ الحياة كلّها
ثقيلةً بين يديه
إذا كانت عندئذ فقط تبدو خيانةً
أو جشعاً فحسب
إذا كانت هذا الحِمل وحده
ماذا أفعل إذا كان لي فقط ذراعان
إذا كان لهما وحدهما حقٌّ بالحياة
ليس إلّا لأنّهما لا تُفكّران
إلّا لأنّ هُناك مَن مات عنهما
غير أنّي أفكّر في جدول
إنّه الآخَر ميّت
وعليّ أن أحمله أيضاً
كلّهم أمواتٌ وأنا بحياة قليلة
برُبع حياة
أحمل مدينة كاملة
وهي أيضاً تقع من يديّ
عيناي منذ الآن تبتكران مدينةً أُخرى.
■■■
صبيحة قانية
استيقظتُ لكن لم أجد الصَّباح
منذ غفوت كان شَقّ النافذة
وبقي ينتظر في الخلف
الليل بِطُوله كان راكداً
واستمرّ كحفلة شاي
شاي كثير لكنَّ النَّوم ظلّ أطول
وأكثر صمتاً
لم يكُن فضل شيء للصَّباح
كانوا يتقاتلون في الحُجرة
وتركوا روحاً تحت السرير
ثمّة حربٌ لم تقتضِ أن أفتح جفني
تركوا رقماً للقتلى، لكنّي لم أكُن شريكاً
أحدس أنّ الحرب لا تزال في غرف أُخرى
لم أجسُر على أن أدخل الحمَّام
لكنّ السرير والمطبخ قالا نفس الكلمة
كانت هناك أحجارٌ تتحرّك داخل الكلام
جُمَلٌ بلا أطراف تلفظ أنفاسها
هواءٌ كبير يلغط في أماكن شتّى
ليس بعيداً، مع ذلك نقدر على أن نُغنّي
ليس بعيداً عن التلفزيون، تشوُّش كبير
احتاج إلى اجتماع
سوءُ تفاهُم ليوم واحد
مع أنّنا نعرف أنه احتاج عُمراً كاملاً
لكنّنا لم نحظَ بمزيد من النوم
إنّها خبرات، وبالأحرى أحابيل
لكان في وسعنا أن نُبادل بها طيوراً صادحة
لكان في وسعنا أن نرفع عن صدورنا
ما حسبناه جُثثَ أبنائنا
أو الذين بحياة واحدة استعمرونا
بنصف حياة بنَوا على أجسادنا
ذلك كان مجيداً وصادماً
وليس بدون نهاية
وليس بنصف سعر
بعشرين كلمة أو أقلّ
ذلك لم يكُن في النهاية بحت أسف
مجرّد اسم تنقّل بين السطور
بدون أن يعثُر على سرِّه الأصلي
وبدون أن يجدَ جدّه الأوّل
لكنّ القصّة ليست من هُنا
ثمّة جَمَلٌ قد يكون والد المدينة
ثمّة رمل قد يكون رواية
ثمّة أشهر لم تعُد سقوفاً
سنواتٌ تسقط على ساكنيها
سيكون هناك قتيل بكلّ يوم جديد
ستكون هناك أوقاتٌ بلا رؤوس
صباح واحد قد يكون عنواناً
نهارٌ من شغف لكن أيضاً من نجيع
أُغنية في العاصفة
نفهم أنّ السماء توقّفت هُنا
أنّهم أضافونا للبارحة
لكنّ الصباح الذي تعثّرنا به
كان ابن اليوم
كان اسماً ثانياً، كان حجرنا.
* شاعر وروائي من لبنان