في مدينة هي أكبر مدن المغرب، ليس فقط من حيث المساحة بل من حيث مكانتها الاقتصادية وتركيبتها وميناءها، أكبر موانئ شمال إفريقيا، يوجد أرشيف ضخم للدار البيضاء التي كانت تعرف قدمياً بـ آنفا، فإن كانت الرباط عاصمة البلاد السياسية، فإن "كازا بلانكا" كما أطلق عليها البرتغاليون في القرن الخامس عشر الميلادي هي عاصمة المال والاقتصاد.
أوّل أمس، افتتحت "مؤسسة أرشيف المغرب" معرضاً يضمّ صوراً ووثقائق نادرة للمدينة تحت عنوان "أرشيفات الدار البيضاء" يتواصل حتى 31 آذار/ مارس، بمناسبة اليوم الوطني للأرشيف الذي يصادف الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، وتتيح المؤسسة المعرض أيضاً على موقعها بتقنية ثلاثية الأبعاد.
يغطي المعرض حقباً مختلفاً، لكنه يهتم على وجه الخصوص بالفترة الممتدّة من نهاية القرن التاسع عشر وطيلة الحقبة الاستعمارية وحتى نهاية القرن العشرين، حيث تسلّط محتويات المعرض الضوء على الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية للمدينة في هذه الفترة.
شهدت المدينة في القرن التاسع عشر زيادة في عدد سكانها، حيث تحوّلت إلى مزوّد أساسي للصوف المستخدم في أعمال المنسوجات المزدهرة في بريطانيا وتوسّعت حركة النقل. بحلول ستينيات القرن التاسع عشر، وكان هناك حوالي خمسة آلاف ساكن، وزاد عدد السكان إلى حوالي عشرة آلاف بحلول ثمانينيات القرن التاسع عشر، وفي عام 1921 ارتفع هذا العدد إلى مائة وعشرة آلاف، ومع الزيادة توسّع الميناء، وأعيد بناء المنازل التقليدية.
تلك المدينة ظهرت في الفيلم الكلاسيكي الشهير الذي حمل اسمها "كازابلانكا"، ليكشف العمل عن مكانة الدار البيضاء في ذلك الوقت، حيث صوّر المدينة على أنها مسرح لمعركة السيطرة بين القوى الأوروبية المتصارعة. يحتوي الفيلم على مجموعة من الممثلين متعددي الجنسيات، فقد شكّل الأوروبيون نسبة كبيرة من السكان. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلال الخمسينيات من القرن الماضي كانت المدينة المركز الرئيسي للثورة ضدّ الفرنسيين.
للعمارة في الدار البيضاء طابع شديد الخصوصية، ويسعى المعرض إلى تسليط الضوء على هوية العمران والعمارة في المدينة، لا سيما توسعاتها ومينائها والسكك الحديدية ومهابط الطائرات، حيث يتاح للزائرين صوراً تجسد مراحل تطور وتغيرات هذه المنشآت، إلى جانب وثائق حول القرارات بخصوصها، كما تعرض خرائط وتصاميم للعمارة والتحولات الحضرية في البيئة المحيطة بهذه الأماكن الحيوية.
ورغم ما يبدو من طراز معماري واحد للمدينة، لكنها متنوعة في طابعها المعماري ومعالمها الأساسية، ففي شرق المدينة يتكشف حي الآرت ديكو الذي كان الحي الأوروبي للمدينة تحت الحماية الفرنسية. يضم العديد من التركيبات الأثرية التي تضفي طابعًا خاصًا على المدينة: الساحة الإدارية، ومنتزه جامعة الدول العربية، والشوارع الواسعة المزروعة بأشجار النخيل.
تعرض خرائط وتصاميم للعمارة والتحولات الحضرية في البيئة المحيطة بهذه الأماكن الحيوية
إلى الغرب توجد منطقة بورجوندي الأرستقراطية، وعلى البحر بني مسجد الحسن الثاني الكبير. أبعد من ذلك بقليل الكورنيش ومطاعمه وشواطئه، أما قلب المدينة فمركز الأعمال، حيث معظم الفنادق والقنصليات الأجنبية.
المباني التي تم تشييدها بعد نهاية الاستعمار هي بطبيعة الحال من الطراز المغربي الجديد. أسلوب تم اختراعه وانتشاره على نطاق واسع منذ عقود في الجزائر وتونس. يحظى بتقدير كبير اليوم، وهو مستوحى من الفن الإسلامي؛ أقواس نصف دائرية أو مكسورة، وألواح خزفية تشبه أزوليجوس، وفسيفساء، وبلاط أخضر، وسوف يتيح المعرض صوراَ فوتوغرافية تجسّد هذه التغيرات والتحولات والجماليات في العمارة.