قد يُخَيَّل إلى البعض أن حصول كاتب ما على جائزة "نوبل للأدب" يعني أن مهمّته قد نُفِّذت، خصوصاً إذا ما كان قد تجاوز الثمانين من العمر، كما هو حال الروائية الفرنسية آني إرنو (1940)، التي حازت الجائزةَ السويدية في نسخة العام الماضي.
على أن صاحبة كتاب "العار" تُعطي الانطباع المُعاكس تماماً لهذا التصوُّر المسبَق. فهي لا تزال على نشاطها المُعتاد، إن كان في النضال ضدّ السياسات الاقتصادية الجائرة لحكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو إلى جانب أحزاب اليسار في انتقادها لسياسات الدولة الفرنسية ضدّ الأجانب. كما أن نشاطها الكِتابي لم يعرف اختلافاً منذ فوزها.
عن "منشورات مدرسة الدراسات العُليا للعلوم الاجتماعية" في باريس، صدر حديثاً كِتابٌ بعنوان "مُحادثة"، وهو عبارة عن حوار بين الروائية الفرنسية وبين مُواطنتها وصديقتها روز ماري لاغراف، وهي عالمة اجتماع وأستاذة لسوسيولوجيا الجندر في هذه المدرسة نفسها.
ولا يُخطئ الناشر حين يُشير إلى أن محتوى الكتاب عبارةٌ عن محادثة أكثر من كونه نقاشاً أو أخذاً وردّاً، فالمؤلّفتان تتوافقان في مواقفهما من أغلب المواضيع التي تناقشانها: من النسوية إلى الكتابة، ومن الشيخوخة إلى موقع الجسد في البحث الاجتماعية والكتابة الأدبية.
كما أنهما تدعوان، بالمناسبة، إلى محو الحدود بين الاشتغال البحثي والكتابة الأدبية، باعتبار الأدب أيضاً طريقة خاصة في البحث ودفع المجتمعات نحو أفقٍ أفضل من الحاضر الذي تعيشه.
وتتشارك إرنو ولاغراف تحليلاتهما التي تنتقد السياسات الليبرالية وصعود اليمين المتطرّف في الغرب، كما تشتركان في اعتقادهما بالسوسيولوجيا النقدية التي جاء بها بيير بورديو، لكنْ بعد تزويدها ببُعدٍ نسويّ تفتقده.
وتُبدي المؤلّفتان حساسية عالية تجاه القضايا الاجتماعية التي تدافعان عنها، كما يتبيّن مثلاً في قول إرنو: "لا تعاني النساءُ من الهيمنة الذكورية ولا يعشنها بالطريقة نفسها، بل تتغيّر طبيعة هذه المعاناة وفقاً لطبقتهنّ الاجتماعية ولمسألة ما إذا كان يُنظَر إليهنّ بشكل عِرقي أو لا".