في عام 2008، نشرت الفنانة والأكاديمية الإسبانية آنا كريسبو (مدريد، 1964) الجزء الأوّل من كتابها "ألوان القلب الجميلة: اللون والصوفية"، الذي ستُتبعه، عام 2014، بجزء ثانٍ، تستكمل فيه أبحاثها حول نظرة المتصوّفة، والفكر والفن الإسلاميين بشكل عام، إلى اللون بوصفه عنصراً مؤثّثاً للكون. كتابٌ جاء بعد نحو ثلاثة عقود من التنقّل بين التأليف الأكاديمي ــ حيث تعمل كريسبو أستاذة للفنون الجميلة واللون ــ وبين العمل الفني، الذي تقدِّم فيه، منذ نهاية الثمانينيات، منحوتاتٍ وأعمالَ تجهيز تتمحور، في أغلبها، حول معنى اللون وقدرته على قول الكثير بأقلّ ما يمكن من التعبير.
هكذا، لم يكن غريباً على الفنانة التي تهتمّ بالكتابة، وبحضور اللون فيها، وكذلك بتاريخ الصوفية، أن تُبدي اهتماماً بتجربة مُواطِنها، الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا (1898 ــ 1936)، الذي تُخصّص له معرضاً بعنوان "سُلَّم من الضوء من أجل فيديريكو"، افتُتح في الرابع عشر من تمّوز/يوليو الجاري في فرع "البيت العربي" بمدينة قرطبة، ويستمرّ إلى السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر المقبل.
فكرة النور حلقة وصل بين الشاعر الإسباني والإرث الصوفي
ذلك أن صاحب "الأغاني" (1927) عُرف باهتمامه، هو الآخَر، بهذه الثيمات، حيث يُشير أكثر من مختصٍّ في أعماله إلى تأثّره، ولا سيّما في كتاباته الأخيرة، بقراءاته لمؤلّفين صوفيين، أو بقراءاته لكتّابات إسبانية عنهم، وكذلك تأثُّره بالروحانية الإسلامية وموروثها في الأندلس، مسقط رأسه (وُلد وأُعدم قرب غرناطة).
يضمّ المعرض العديد من الأعمال التركيبية والنحتية التي توجّه من خلالها الفنانة تحيّة إلى الشاعر الإسباني، وهو مشروعٌ بدأت بالعمل عليه قبل نحو عشرة أعوام، لكنّه لم يُنجَز إلّا خلال فترات الحجر الصحّي التي عاشتها إسبانيا، والمعمورة بشكل عام، خلال العامين الماضيين.
وتقترح كريسبو اشتغالاتٍ كبيرة الأحجام، لكنْ متقشّفة، إنْ كان على مستوى الألوان، التي تدور في فلك الأصفر، أو لناحية المواد، حيث الورق والقماش يحضران بشكلٍ أساسيّ. وكأنّ الفنانة، بهذه البساطة التي اختارتها، شاءت مُحاكاة العذوبة التي تميّز بهما شِعرُ لوركا أيضاً.
يحضر الورق والقماش في محاكاة عذبة لآلام الشاعر
على أنّ كريسبو تُخالف "الشائع" في ما يخصّ علاقة الشاعر الإسباني بالألوان. ذلك أن اسمَه، كما تقول في بيان "البيت العربي"، لطالما ارتبط بألوان مثل الأحمر والأسود، أحمر الثورة والدم والجنوب الإسباني، وأسود العيش وصعوبته بالنسبة إلى شخصٍ ذاق الأمرّين، إنْ كان بسبب وعيه الفكري والسياسي، أو بسبب توجّهه العاطفيّ. لكنّها ترى، على العكس من ذلك، أن تجربته وحياته أقرب إلى الضوء، ضوء الشمس الأصفر، أوّل الألوان وأوّل الحياة، لو نسبنا الحياة إلى الشمس وأصفرها.
كما أنها، من خلال مَحْوَرتها لأعمالها حول هذا اللون، تُعيد عقْد الصلة بين الشاعر الإسباني والإرث الصوفي من خلال التركيز على فكرة النور، النور الروحاني الذي كان مبدأً للعيش في سنوات لوركا الأخيرة، حين كان جسدُه معذّباً حينها، إنْ كان على يد الفاشيين أو بسبب الكآبة التي ألمّت به لسنوات.