عادت ظاهرة تشويه المعالم التاريخية في الجزائر إلى الواجهة أخيراً، بعد سلسلةٍ من الحوادث التي شهدتها مواقع مختلفة خلال الأسابيع الماضية. ففي ولاية باتنة (شرق البلاد)، تعرَّض موقع تازولت الأثري إلى التخريب نهاية الشهر الماضي؛ حيث قام "مراهقون" بالكتابة على جدرانه الحجرية بالطلاء، بينما تعرَّض مقام سيدي مرزوق في حي الزمالة (قرية الزنوج سابقاً) إلى تدمير كامل.
عكَسَ الحادثان تقصيراً فادحاً في توفير الحماية للمواقع الأثرية؛ سواء بتسييجها أو بتخصيص مَن يقومون بحراستها. وبدا أنَّ وزارة الثقافة كانت تنتظرُ مِثل هذه الاعتداءات حتى تقوم بالتحرُّك.
في ردّة فعلها على الحادث الأوّل، قالت وزيرة الثقافة الجزائرية، مليكة بن دودة، إنّها أصدرت "أوامر عاجلةً" إلى "الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية" بالتدخُّل لمعالجة آثار التخريب ومتابعة الفاعلين قضائياً، قبل أن تقوم بزيارة إلى باتنة وتُعلن عن سلسلةٍ من القرارات التي تخصُّ قطاع الآثار؛ مِن بينها تسييج الموقع واستحداث متحفٍ في مدينة تازولت، قالت إنه سيكون "لائقاً باللُّقى الأثرية الموجودة في الموقع"، كما تحدّثت عن ضرورة الإسراع في إجراء جردة لـ"كافّة محتوياته وتحفه منعاً لضياعها أو نهبها".
وإلى جانب إعادة تهيئة متحفه، أعلنت بن دودة عن جرد اللقى الأثرية في موقع تيمقاد، الذي يُعدُّ الموقع الأثري الأكبر في الجزائر؛ حيث يمتدّ على مساحة تقارب تسعين هكتاراً. وكان لافتاً - في هذا السياق - حديثُها عن قرار الحكومة رفع التجميد عن "مخطَّط حماية وتثمين موقع تيمقاد"، ما يعني حصوله على موازنةٍ تسمح باستئناف تسييجه وترميم متحفه المتداعي.
أعلنت وزارة الثقافة عن سلسلة من الإجراءات لحماية المواقع الأثرية
وفي سياق متّصل، كشفت وزيرة الثقافة الجزائرية عن رفع التجميد عن مشروع ترميم الضريح النوميدي الملكي مدغاسن في بلدية بومية، والذي يعود تاريخ تشييده إلى 400 سنة قبل الميلاد. وجرى تصنيف الموقع، الذي شُيّد وفق نمط العمارة الجنائزية في المنطقة، ضمن قائمة المواقع والمعالم القديمة عام 1900، قبل أن يجري تصنيفه ضمن قائمة الأضرحة الملكية عام 2000. وبموجب اتفاقية مع الولايات المتّحدة، سيُخصّص الطرف الأميركي خمسمئة ألف دولار للترميم، تُضاف إلى سبعين ألف دولار هي حصّة الطرف الجزائري.
كما تحدّثت بن دودة عن مشروعٍ لتحويل موقع غوفي، الذي يقع على بعد 93 كيلومتراً عن مدينة باتنة، إلى "حظيرة ثقافية". يمتدُّ الموقع على مساحة 420 هكتاراً، وقد جرى تصنيفه عام 1967 كموقع طبيعي.
مِن جهة أُخرى، ذكرت وسائل إعلام محلّية أنَّ وزارة الثقافة تتّجه، على خلفية الاعتداءات المتكرّرة على المعالم والمواقع الأثرية، إلى إعادة النظر في المنظومة القانونية الخاصة بالممتلكات الثقافية؛ حيث نقلت صحيفة "الشروق" الجزائرية عن عبد القادر دحدوح، مدير "ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية"، قوله بأنَّه جرى طرحُ مشروع لتعديل القانون المتعلِّق بحماية الآثار والممتلكات الثقافية (رقم 04/08)، وهو "حالياً قيد الدراسة على مستوى الأمانة العامّة للحكومة".