في اللقاء الذي نظّمته "مكتبة الأرشيف" في عمّان أمس ضمن سلسلة لقاءات "فلسطين في الكتابة التاريخية"، حول كتاب "عارف العارف: يوميات إمارة شرق الأردن، 1926–1929" الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يتطرّق المؤلّفان الباحثان علي محافظة ومهند مبيضين إلى القيمة التاريخية لهذه اليوميات في سياق تبلور الوطنية الأردنية في مواجهة الاستعمار البريطاني ومحاولات تهويد فلسطين، وكيفية نشوء الإمارة والظروف المحلية والإقليمية في تلك الفترة.
أوضح محافظة أن العارف يتميّز عن كثير من المناضلين الفلسطينيين الذين ساهموا في مقاومة الاحتلال البريطاني والوجود الصهيوني، إلى جانب محمد عزة دروزة وأكرم زعيتر من خلال كتاباتهم التي تتناول جوانب مهمة من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك جزءاً من الثقافية، إذ يبيّن كيف كان يدير الملك عبد الله الأول البلاد نهاية عشرينيات القرن الماضي، وهي فترة بالغة الأهمية في الأردن، مثّلت بداية الوعي السياسي لدى الأردنيين وتشكيل حزب الشعب عام 1927، وانعقاد المؤتمر الوطني الأول سنة 1928، وصدور الميثاق الوطني الأردني لأول مرة في السنة ذاتها، وقدّمت أيضاً الحكومة البريطانية مقترح معاهدة للتخفيف من وطأة وقسوة استعمارها للأردن.
محافظة: اليوميات تبيّن حجم الهيمنة البريطانية على الأردن زمن الانتداب وعجز الأمير عن اتخاذ القرارات
وأشار إلى كيفية تدخّل الممثلين البريطانيين في شؤون الوزارات الأردنية التي بلغ عددها خمساً حينها، وكان النفوذ للمستشار البريطاني في كلّ وزارة، وليس للوزير الأردني، ولم يكن يصدر أي قانون من دون موافقتهم، ولخدمة مصالح بريطانيا، وكانوا يتحكمون بالميزانية والإنفاق وكذلك بقيادة الجيش في زمني فريدريك بيك وكلوب باشا، ويشير الكتاب إلى هذه الهيمنة الواضحة على الوضع السياسي الأردني، وكان الأمير عبد الله عاجزاً عن اتخاذ القرارات ومصاباً بالإحباط الذي كان يعبّر عنه لعارف العارف.
وحول انتمائه الوطني وعمله الدؤوب من أجل البلاد العربية ومنها الأردن، لم يتردد عارف العارف أيضاً، بحسب محافظة، في تأسيس جمعية سرية تضمّ عدداً من المثقفين الأردنيين تشرف على تنظيم العمل السياسي بما يناهض الوجود البريطاني في الأردن، وأطلق عليها اسم "فرسان الحق"، والتحق بها ضباط من الجيش الأردني وبعض شيوخ العشائر، وقام بكتابة الكثير من البيانات التي كان يرسلها الأردنيون آنذاك للاحتجاج على الاستعمار البريطاني إلى معتمدهم في القدس لوزير المستعمرات في لندن وعصبة الأمم في جنيف.
لم يغفل الكتاب أيضاً الأحوال الاقتصادية التي عاشها الأردن في تلك الفترة، ومنها محلٌ شديد أصاب البلاد بين عامي 1928 و1932 وتصادف مع الكساد الكبير الذي شهد انهياراً في اقتصاديات البلدان الغربية، وكذلك تناول طبيعة العلاقات بين الناس والتركيبة الاجتماعية ذات الطابع العشائري، والثقافة والوعي السياسي المحدودين، كما بيّن محافظة.
وتطرّق صاحب كتاب "بريطانيا والوحدة العربية: 1945 – 2005) إلى الفساد الذي تحدّث عنه عارف العارف وتعداده للفاسدين بالاسم في يومياته التي تستحق الآراء والحقائق الواردة فيها القراءة، ومن خلالها يستطيع الأردنيون التعرّف إلى تاريخهم، وتطوّر بلادهم خلال ما يقارب قرن من الزمان.
وافتتح مبيضين مداخلته بالإشارة إلى ضرورة قراءة هذه اليوميات في سياقها التاريخي، وكيف نشأت عمّان كحاضرة صغيرة تحتصن الكثير من الوافدين ويحيط بها مجتمع فلاحي والعشائر البدوية، وكانت الدائرة الأولى لاهتمام العارف تتعلّق بالقصر والأمير، والثانية رئاسة الوزراء، والثالثة كانت النخب الوطنية، سواء تلك التي كان لديها حس عالٍ ضد الانتداب والفساد، أو تلك الملتحقة بالانتداب، ولم يتورع عن كشف فساد العديد من المسؤولين مهما كانت مناصبهم، ويشنّ عليهم معركة شرسة.
مبيضين: تتأكد أهمية الكتاب كونه جاء في لحظة اكتشاف الأردنيين هويتهم الوطنية
أهمية الكتاب تتأكد كونه جاء في لحظة اكتشاف الأردنيين هويتهم الوطنية، وفق مبيضين، التي مثّلها المؤتمر الوطني الأول في رؤيتهم ضدّ الانتداب وضدّ وعد بلفور وضدّ توطين اليهود في فلسطين، وكان لديهم أيضاً رغبة في الحصول على المناصب العامة، والذين ظلّوا محرومين منها حتى عام 1946، وارتبط ذلك بتوقيع المعاهدة الأردنية البريطانية التي وصفها عارف العارف بأنها قيد من قيود الاستعمار الجديد.
ولفت صاحب كتاب "فكرة التاريخ عند العرب في العصر العثماني" إلى أن العارف كان موظفاً رفيع المستوى في النهار، ومناضلاً وطنياً في الليل، يجتمع مع المعارضة الوطنية وصاغ معها طروحاتها السياسية التي قدّمتها في ذلك الوقت، مبيناً أن العارف والأمير عبد الله التقيا على كراهية الانتداب البريطاني لكن الأوّل كان عاطفياً متشبعاً بالروح القومية العربية، ويرى أن فلسطين مرشّحة للضياع، والثاني يعتقد بأنه لا بد من العمل مع البريطانيين من أجل استمرار العرش والحكم وقيام الدولة.
الحديث عن حياته الشخصية شحيح في اليوميات مثل حال العديد من السياسيين في كتابة مذكراتهم، وكذلك عن أخطائه، كما بيّن مبيضين الذي أشار إلى أنه قارن خلال بحثه بين ما كتبه عارف العارف وبين النصوص التي كتبها الآخرون حول القضايا والمرحلة ذاتها ومنها مذكرات الملك عبد الله الأول التي أوردت ثلاث صفحات فقط عن نفس المرحلة التي وثقتها اليوميات، وتبيّن صحتها قياساً بمصادر تاريخية متعدّدة، إلى جانب البحث في الملف الوظيفي له في رئاسة الوزراء، وما حصل عليه من رواتب ومكافآت.
قدّم المحاضرة الباحث والفنان الأردني هاني حوراني الذي لخّص سيرة عارف العارف الغنية، إذ كان مؤرخاً قام بتوثيق تاريخ عدد من المدن الفلسطينية، وصحافياً أصدر جريدة "سورية الكبرى"، كما عمل في إدارة الانتداب البريطاني، مشيراً إلى خدمته السابقة ضابطاً في الجيش العثماني، ولوحق مع الحاج أمين الحسيني عام 1920 عقب اضطرابات القدس ضد الاحتلال البريطاني والتهديد الصهيوني، لكنه هرب من عقوبة السجن إلى سورية ومنها إلى الأردن حيث أقام في ضيافة عائلات من السلط والكرك.
كما لفت إلى أهمية الكتاب كونه شهادة من شخصية كانت من أركان الحكم آنذاك، تتضمّن التدخلات الفادحة التي كان يمارسها المعتمد البريطاني في عمّان وبقية المسؤولين البريطانيين في شؤون الأردن وفلسطين.