إذا كانت وسائل الإعلام الثقافية الفرنسية قد سمّت هذا العام "عامَ مارسيل بروست"، الروائي الذي يمرّ في 2022 قرنٌ على رحيله، فإن العام الماضي قد حظي بتسمية "عام دوستويفسكي"، حيث كانت فرنسا من أكثر الدول الأوروبية احتفاءً بالروائي الروسي (1821 – 1881) في الذكرى المئوية الثانية لميلاده.
وقد شهد العديد من الجامعات والمراكز الثقافية الفرنسية لقاءات بحثية وعلمية وندوات تناولت تجربة صاحب "الجريمة والعقاب"، وأسلوبه، وتاريخ تلقّيه وترجمته، إضافة إلى تأثيره في الكتابة في روسيا والعالم؛ كما أُعيدت في تلك المناسبة طباعة أعماله، في حين استُعيد بعضٌ منها في مسرحيات، وعُرضت أفلام وثائقية تستعرض سيرته.
في عددها الجديد (تشرين الأول/ أكتوبر 2022)، شاءت مجلّة "نقد" الأدبية الفرنسية استكمال الاستعادات الاحتفائية للكاتب الروسي، عبر تخصيص ملفّ العدد للبحث في راهنية صاحب "المقامر"، وفي ما يمكن أن تقوله أعماله وتجربته في زمن الجائحة، وفي وقتٍ تجتاح فيه الحروب (بما فيها حرب بلاده على أوكرانيا) والأزمات البيئية والاقتصادية مجمل بقاع المعمورة.
تتناول مقدّمة العدد قدرة كتاباتات فيودور دوستويفسكي على وصف وقتنا الراهن وأزماته، حيث عالج الكاتب مسائل العنف والمنفى والعوز وغيرها ممّا نعاني منه اليوم، مضيئاً سرده المفارقات التي يتّسم بها السلوك الإنساني، وهو ما قد يساعد، بحسب المقّدمة، على فهم عالم يراوح بين دعوات الإنسانية والشرور اللانهائية، بين أدبيات الحداثة والمنطق البدائي.
ويتضمّن العدد مقالات حول معنى "الراهن" الذي يمكن العثور عليه في روايات الكاتب الروسي، وحول وصف رواياته لعوالِم الحجر والعزلة التي عشناها خلال العامين الماضيين في ظلّ الجائحة، إلى جانب نصوص بحثية حول أسلوبه، واستخداماته لمفهوم الوقت، وحوار مع مترجمه الأبرز إلى الفرنسية، أندريه ماركوفيتش.