ارتبط الكاريكاتير بالصحافة الورقية منذ ظهورها رغم مرجعياته التشكيلية الأقدم، وعرفت المنطقة العربية تجارب أولى في هذا الفن مع صدور مطبوعات عديدة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ربما أشهرهم كان يعقوب صنوع في جريدته الأسبوعية "أبو نظارة زرقاء"، وغيرها من المجلات والصحف التي صدرت في مصر خاصة مثل "خيال الظلّ" و"الكشكول" وغيرهما.
ومع تراجع الصحافة التقليدية، لم تغب الرسومات الساخرة عن وسائط التواصل الاجتماعي والمدونات الشخصية، كما استرجعها فن الشارع كجزء من موجات الاحتجاجات العربية في العقد الأخير، إلا أن حضورها في معارض وملتقيات خاصة لا يزال محدوداً.
في هذا السياق، تنطلق الإثنين المقبل فعاليات الدورة الأولى من "ملتقى عمّان للكاريكاتير" في العاصمة الأردنية، وتتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري بتنظيم من "رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين" ومشاركة عشرات الفنانين العرب والأردنيين.
يشير رئيس الرابطة ورسام الكاريكاتير ناصر الجعفري في حديثه إلى "العربي الجديد"، إلى أنه في ظل غياب تامّ للاهتمام في فن الكاريكاتير وتقلّص مساحاته في الصحف اليومية، مع أزمة الصحافة المطبوعة بشكل عام، والتي كان الكاريكاتير أحد أهم أركانها، كل ذلك ترك تأثيره الكبير على واقع هذا الفن الذي لا تتاح له نوافذ للنشر بالتزامن مع طغيان محتوى بصري أقل قيمة ومعنى، وغاب الدعم المؤسسي له، وبات فنان الكاريكاتير أسير فكرة النشر الشخصي.
ويوضّح أن هذه المعطيات رافقها تدهور في مستوى الحريات في العديد من البلدان العربية، وفرض رقابة صارمة متعسفة على المحتوى الفني الذي يشتغل عليه رسام الكاريكاتير، وأصبحت هناك ضرورة لإعادة إنتاج هذه المادة التي ما زلنا نعتقد بأهميتها في إطار مجتمعي مختلف عبر التواصل البصري المباشر ما بين المتلقي ولوحة الكاريكاتير عن طريق المعارض من أجل أن تجد طريقها للاقتناء لدى المهتمين بها، حتى تعوّض ما فقدته خلال الفترة الماضية.
ويرى الجعفري أن فن الكاريكاتير اليوم يراكم على ما قدّمه في تاريخه، بوصفه تعبيراً عن واقع معيشي وحياتي للإنسان وظروفه، وتوثيقاً للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ومدى تقدّمها أو تراجعها، وكذلك ناشراً حقيقياً لمنظومة قيم إيجابية للأجيال الجديدة التي قد يعجز عنها النص المكتوب، ويقدّم رأياً في القضايا والظواهر المعاصرة.
ويلفت إلى أن سيخصص قسماً من معرضه الذي ينظّم بالاشتراك مع "أمانة عمّان الكبرى"، لرسومات يعود بعضها إلى النصف الأول من القرن الماضي لروّاد الكاريكاتير في مصر من أمثال محمد عبد المنعم رخا (1911 – 1989)، وأحمد طوغان (1926 – 2014)، وجورج بهجوري (1932)، ومحمد حاكم (1932)، ومصطفى حسين (1935 – 2014)، وأحمد إبراهيم حجازي (1936 – 2011) ومحمد عفت (1946 - 2019)، وهي تمثّل أرشفة بصرية لطبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترة ذات معنى ودلالة ومغزى في مشهد مختزل وبسيط، إلى جانب رسومات للفنانين رباح الصغير (1937 -1989) وجلال الرفاعي (1946 – 2012) من الأردن.
ويبيّن أن الغاية من تنظيم هذا الملتقى هي إمتاع الجمهور في الدرجة الأولى، وكذلك توفير مساحة لالتقاء رسامي الكاريكاتير العرب من أجل تبادل خبراتهم والحوار في ما بينهم، والاجتماع في عمّان على الحد الأدنى من القيم التي يتوافقون حولها اجتماعياً وإنسانياً في ظلّ حالة التردي السياسي، ويؤمل أن يتطوّر الملتقى مستقبلاً ليشارك فيه رسامون من مختلف ثقاقات العالم.
يشارك في الدورة الأولى فنانون من اثنتي عشرة دولة عربية يقدمون حوالي مئة عمل، منهم سمير عبد الغني من مصر، وأيمن الغامدي من السعودية، ومنى التميمي ومحمد القحطاني من الكويت، بالإضافة إلى فنانين أردنيين هم: أمجد رسمي وناصر الجعفري وعماد حجاج ومحمد أبو عفيفة وعمر العبدلات وأسامة حجاج، ومحمد الشاعر، ومحمود الرفاعي، ونبيل الحسنات، ونضال البزم، ونضال هاشم، وهاني مسعود.
يذكر أن "رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين" تأسّست عام 2007 وأقامت عدّة معارض في المدن الأردنية، كما أصدرت الرابطة كتابها الأول بعنوان "الكرتونجية" احتوى بين دفتيه على تعريف بواحد وعشرين رسام كاريكاتير أردنياً.