"مكتبة الإسكندرية": على أن تواكب المعرفة أبّهة المعمار

27 ابريل 2022
من مكتبة الإسكندرية (Getty)
+ الخط -

في الثالث والعشرين من نيسان/ إبريل الماضي، مرّ عشرون عاماً على افتتاح "مكتبة الإسكندرية" في مقرّها الجديد الذي أُريد له أن يكون استرجاعاً لواحدة من أعظم مكتبات العالم القديم. لكن هل حقّقت "مكتبة الإسكندرية" هذا الطموح خلال عقدين؟

حين افتتح المبنى، بأبّهته المعمارية التي نعرفها، مثّل حدثاً عالمياً عن جدارة، وقد اختير اليوم العالمي للكتاب (23 نيسان/ إبريل من كل عام) موعداً للافتتاح ضماناً لمزيد من الإشعاع، وإن كان الافتتاح الحقيقي قد جرى في تشرين الأول/ أكتوبر 2002. وقد تداولت بالفعل وكالات الأنباء ونشرات الأخبار وصفحات المواقع صور المكتبة الجديدة، وبدا الأمر لكثيرين فاتحة لعصر ثقافي جديد في مصر والمنطقة العربية (لعلّ الأمر يشبه كثيراً ما نعيشه منذ أشهر من الدعاية لافتتاح المتحف المصري الكبير)، لكن العارف بكواليس الثقافة في مصر، أو في العالم العربي، يعلم أنّ المكتبة لم تكن منعطفاً كما رغب كثيرون.

صحيح أنها تقدّم خدمات جليلة للباحثين، وأنها تضمّ رصيداً مهمّاً من الكتب قد لا تتوفّر عليه معظم مكتبات العالم، كما تحتضن مجموعة من الفعاليات الثقافية وتؤوي عدداً من المؤسّسات الفنية والإبداعية. غير أن الإشعاع أو تقديم الفائدة لا ينحصر في هذه الخدمات، والتي لم تكن تقدّمها "مكتبة الإسكندرية" القديمة غير أنّها هي التي ظلّت تحظى بمكان مرموق في مخيال البشرية، تستطيع مكتبة الإسكندرية الجديدة أن تدغدغه لكنها لا تقدر أن تحييه.

لا تزال الإسكندرية غير مستفيدة من مكتبتها كما ينبغي 

ويعود ذلك إلى أن روح المكتبات هو المساهمة في تطوير المعرفة، بحفظها وإتاحتها وتوفير بيئة للناشطين في المجالات المعرفية والتشبيك بينهم. في هذا لا تستطيع "مكتبة الإسكندرية" غير تقديم الحد الأدنى، وهي في ذلك غير ملومة، فما هي إلا جزء من بيئة ثقافية أوسع، محكومة بكثير من الضمور المعرفي والبيروقراطية وقلّة الحيلة.

بعد عشرين عاماً، لا تزال الثقافة في مصر غير مستفيدة من "مكتبة الإسكندرية" كما ينبغي. لا يزال هذا الصرح أقرب إلى معلم سياحي حديث يخاطب الأجنبي الذي يأتي للبحث عن تاريخ مصر أو مسألة في التراث العربي، لكنه لا يُدمج أهل المدينة، وحين نتحدّث عن المدينة الحاضنة، سنتساءل حتماً في أي إسكندرية تقع المكتبة؟ هل هي إسكندرية البطالمة التي كانت أعظم حاضرة في الشرق، أم تراها إسكندرية عصر النهضة العربية الذي تتغذّى بكوسموبوليتانية عجيبة احتضنتها المدينة؟

لا هذا ولا ذاك، تقع المكتبة اليوم في مدينة تائهة تفقد بهاءها منذ عقود بسبب الازدحام والنزعات الاستثمارية الجشعة. هذه المدينة التي تحمل في ذاكرتها مكتبة عظيمة تودّ أن تكون لها مكتبة عظيمة اليوم، ولكنها لا تنجح إلا في توفير مبنى في غاية الأبّهة المعمارية. أما روح المكتبة العظيمة فعليها أن تجتهد أكثر كي تبلغه.

هذا الروح لا يستحضره إلّا العطاء المعرفي المستمر والمتدفّق. كيف تتحوّل آلاف المخطوطات والكتب والوثائق إلى دم يجري في عروق الثقافة المصرية، ذلك هو التحدّي.

يبقى أنّ من أهم ما يمكن أن نعتبره تغذية للثقافة العربية هو إتاحتها، خلال العقد الأول من القرن الجديد، لمئات الكتب (أو ربما آلاف) إلكترونياً، في زمن لم تصبح فيه القراءة الإلكترونية مشاعاً كحالها اليوم في العالم العربي، وهو ما أتاح لملايين القرّاء العرب بناء مكتبات إلكترونية. ذلك غيض من فيض ما يمكن أن تقدّمه "مكتبة الإسكندرية".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون