نسخة من البرنامج الثقافي لـ"معرض عمّان الدولي الكتاب" نشرتها وسائل إعلام محلية وعربية قبل أسبوع من انطلاق دورته الحادية والعشرين صباح الخميس الماضي (تستمر حتى العاشر من الشهر الجاري)، بعد أن أقرّتها لجنة ثقافية يمثّل أعضاؤها "اتحاد الناشرين الأردنيين"؛ الجهة المنظّمة، إلى جانب ممثّلي بعض الجهات الداعمة وفي مقدّمتها وزارة الثقافة.
ساعات كانت تفصل عن الافتتاح، طلبت خلالها وزيرة الثقافة هيفاء النجار من الهيئة الإدارية للاتحاد شطْب مشاركة الكاتب أحمد حسن الزعبي في ندوة ينظّمها المعرض في التاسع من الشهر الجاري بعنوان "أثر الأدب الساخر في توعية المجتمع" لأسباب تتعلّق بمواقفه السياسية المعارضة، وتمّت الموافقة على طلبها، كما أوضح الناشر أكرم سلامة؛ عضو اللجنة الثقافية في حديثه إلى "العربي الجديد".
مطوية البرنامج الجديد التي وُزّعت في اليوم الأول، جرت عليها تعديلات أخرى تحدث عادةً في كل عام بسبب اعتذار بعض الضيوف، لكنّ اللافت فيها إضافة اسم الوزيرة لتقدّم بنفسها قراءات قصصية للأطفال في اليوم الثالث، وتتحدّث أيضاً في ندوة بعنوان "بناء الأسرة في ظلّ التحديات المعاصرة" تنظّم في اليوم الثامن إلى جوار أساتذة الشريعة محمود السرطاوي وحمدي مراد وعبد الله الصيفي، في مشاركتين لها لم تُبرمجا سابقاً، إلى جانب مشاركة مقرّرة سلفاً في ندوة "المشهد الثقافي العربي" التي تحدّث فيها أيضاً وزير الثقافة الفلسطينية عاطف أبو سيف.
تحاول وزارة الثقافة فرض هيمنتها رغم محدودية ما تقدّمه من دعم
ما يثير الاستهجان أن النجار لم تنسّق مع أحد المسؤولين في وزارة الثقافة، وهو عضو في اللجنة الثقافية، والذي رشّح اسم الزعبي قبل نحو شهر في أحد اجتماعاتها، بدلاً من فرض وصايتها على الاتحاد في اللحظات الأخيرة، خاصّة أن الزعبي وافق على دعوته واستعدّ للمشاركة ولم يعلم بإزالة اسمه حتى لحظة اتصال "العربي الجديد" به، مؤكّداً أن المنظّمين لم يتواصلوا معه بعد ذلك.
شركاء على الورق
يمكن للوزارة أن تمرّر مجموعة من الأنشطة عبر تمثيلها في لجان المعرض لكنّ ذلك يستوجب منها مراجعة جذرية وحقيقية للدعم المتواضع الذي تقدّمه للتظاهرة الأكبر المخصّصة للكتاب في البلاد، وأن تسعى بجدّية لمأسستها من خلال الضغط على الحكومة لتوفير مكان دائم لانعقادها أسوة ببقية المعارض العربية، وأن تدعم بقوّة إنشاء إدارة مستقلّة للمعرض من دون فرض أيّة وصايات عليها. إذ إن الإشراف المباشر من قبل الهيئة الإدارية لاتحاد الناشرين يعني افتقاد تراكم الخبرات نظراً لانتخاب هيئة جديدة كلّ ثلاث سنوات، دون إنكار الجهود السابقة في انتظام المعرض منذ عام 2016، والمحاولات الدؤوبة لتحسين شروط وجوده.
جهودٌ استطاعت تأمين موقع جديد للمعرض في "المركز الأردني للمعارض الدولية" بـ"مكّة مول" قبل أشهر عدّة من افتتاحه، تميّز بقربه إلى مركز المدينة قياساً بالموقع السابق على طريق المطار. وربما يستحق القرّاء في الأردن – على قلّتهم – اعتراف الاتحاد بضرورة التخلّي عن مسؤوليته إلى إدارة أو هيئة محترفة في التنظيم والاتصال والعلاقات العامة، وقادرة على وضع قاعدة بيانات أو دراسات حول واقع صناعة الكتاب، واتّجاهات القراءة وأنماطها، من أجل النهوض بها.
بالمثل، يجدر التساؤل عن دور الداعم الثاني ممثلاً بـ"أمانة عمّان الكبرى" التي يبرز شعارها إلى جانب شعار وزارة الثقافة كمنظّمين مشاركين إلى جانب الاتحاد، بينما يعلم الجميع أن الأمانة تكتفي بتنظيم مجموعة من الأنشطة المخصّصة غالباً للأطفال، ولا تستقطب الكثير منهم بحسب إفادات العديد من العائلات الزائرة، ما يستدعي توزيع استبانات عليها لتقييم تلك الأنشطة والسعي لتحسينها.
شُطبت مشاركة كاتب بعد دعوته رسمياً نظراً لموقفه السياسي
وعلى "الأمانة" أن توفّر إعلانات طرقية ودعاية تليق بالمعرض، إذ يستغرب المتجوّل في عمّان أنه لم يسمح للاتحاد بوضع إعلاناته إلّا في نقاط محدودة، تكون عادةً في المساحات غير المؤجرة لشركات الإعلان التي تستحوذ على أفضل المواقع في العاصمة. والأهم من ذلك كلّه، أن "الأمانة" تستنكف عن شراء عناوين من الناشرين الأردنيين والعرب لرفد مكتباتها التي تصل إلى حوالي ستّين مكتبة.
ويطلعنا الموقع الإلكتروني للاتحاد أن قائمة الداعمين تضمّ أيضاً وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ووزارة النقل، ووزارة السياحة والآثار التي تشكّل مع الأطراف المذكورة سابقاً هيئة استشارية عُليا للمعرض. لكنها تظلّ شراكة منقوصة على الأرض، إذ لا تقوم الوزارة الأولى بتنظيم برنامج رحلات مدرسية إلى المعرض إلّا بصورة رمزية، كما أنها لا تخصّص أية ميزانية لاقتناء مؤلفات تضاف إلى مكتبات قرابة سبعة آلاف مدرسة تنتشر في الأردن. وينطبق الأمر على الجامعات الحكومية والخاصة التي ترسل وفوداً تتكلّف المياومات والإقامة وتذاكر السفر من أجل شراء كتب من معارض الكتب العربية والأجنبية، بينما تُعرض حتى عن زيارة "معرض عمّان للكتاب".
أمّا وزارة النقل، ففشلت محاولاتها السابقة في تأمين وسائل مواصلات تقلّ الناس من المحافظات والمدن مجّاناً أو بأسعار رمزية، ولا يختلف الحال مع وزارة السياحة والآثار وغيرها من المؤسّسات الرسمية والخاصة التي تنأى عن المشاركة في تطوير التظاهرة، وفق آخر تصريحات رئيس "اتحاد الناشرين"، المدير العام للمعرض جبر أبو فارس، لوسائل إعلام محلية نهاية الشهر الماضي.
كيف تتحقّق استدامة المعرض طالما يُمنح "هبات" من قبل جهات تصرّ على إدارة العمل الثقافي باعتباره موسماً عابراً تُلقى فيه الخطابات وتلتقط الصور التذكارية؟ في تجاهلٍ تام لحقّ دافعي الضرائب في المشاركة بصنع القرار، والمساهمة في تنظيم شؤونهم الحياتية وتنمية مجتمعهم.
مشاكل تنظيمية
بعيداً عن الرؤى الشمولية، تحضر التفاصيل التي لا تنفصل عنها بطبيعة الحال، فإدارة المعرض وقعت في أخطاء تنظيمية في الموقع الجديد، حيث تمّ تقسيمه إلى ثلاثة أروقة؛ الكويت، القدس، عمّان، بترقيم مستقل لكلّ واحد منها، ما أوقع الزوّار في إرباك شديد نتيجة تكرار أرقام الأجنحة في كلّ رواق، وكان من الأجدر أن تصنّف الأروقة جميعها بترقيم موحّد.
إقامة الدورة الحالية في مول تجاري أثار بعض اللغط، إلّا أن اتساع فضاء العرض وتوفّر أمكنة اصطفاف للسيارات وتخصيص مساحة خاصة كبيرة نسبياً للأطفال، بدت إضافة نوعية للمعرض مع حدوث مشاكل تتعلّق بالتنظيم والإعلام غالباً، حيث تأخّر تثبيت أسماء كثير من دور النشر المشاركة في أجنحتها ما اضطر أصحابها إلى كتابتها بأقلام الفلوماستر، كما أن المنصّات المخصّصة لحفلات التوقيع في الطابق الثاني بدت متداخلة ولم يرق تصمميها للكتّاب والناشرين، ما دفع أغلبيتهم لإقامتها في أجنحة الناشرين.
تشارك وزيرة الثقافة كمتحدثة رئيسية في ثلاث فعاليات
وفي ما يتصل بمحتوى البرنامج الثقافي، فقد تم اختيار عناوين عامة وفضفاضة للكثير من الندوات التي تحدّث المشاركين فيها عن "استراتيجيات الأردن في مواجهة التحديات" و"فلسطين في القصة القصيرة الأردنية" و"الرواية وأثرها في المشهد الثقافي" وغيرها من العناوين التي لم تجتذب أحداً باستثناء ندوة شخصيةِ المعرض الثقافية التي احتفت بتجربة وليد سيف، بحكم انتشار أعماله التي كتبها للدراما في الأردن والعالم العربي.
وما عدا ذلك، فإن معظم الفعاليات لم تجتذب أكثر من عشرين شخصاً في أحسن الأحوال، ما أغضب وزير الأوقاف محمد الخلايلة الذي انسحب من ندوة بعنوان "القدس والوصاية الهاشمية" كان من المفترض انعقادها أول أمس الإثنين، لخلوّ القاعة من الحاضرين، فألغيت الندوة بعد اعتذار الضيف الثاني، وهو أحد أعضاء مجلس النوّاب الأردني، عن المشاركة أيضاً لارتباطه بمناسبة اجتماعية! كما اعتذر رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي عن المشاركة في ندوة حول الإصلاح السياسي كانت ستقام أمس الثلاثاء، ما تسبّب بإلغائها أيضاً.
الكتاب بأغلى الأسعار
من جهة أخرى، يرى الكثير من الزوّار أن المعرض لا يقدّم حسومات كبيرة على غرار معارض عربية أخرى، حيث يتجاوز سعر الإصدار صغير الحجم خمسة دنانير (سبعة دولارات)، نتيجة غلاء تكاليف صناعته وشحنه ونقله، ما توضّحه إحصائيات عام 2018 التي تشير إلى أن دور النشر المرخصّة في الأردن تراجعت من 750 إلى 72 دارا مرخّصة وعاملة، وأن عدد المكتبات تقلّص من 900 إلى 218 مكتبة في جميع المدن والبلدات الأردنية.
يختزل العديد من الناشرين العرب المسألة بقولهم إن مشاركتهم تهدف إلى التواصل مع القارئ الأردني في المقام الأول، ولرغبتهم بالمشاركة في معرضَيْ "رام الله" و"الرياض"، وهما يقامان على التوالي بعد انتهاء "عمّان"، الذي لا يلقى إقبالاً على الكتاب بسبب ضعف القوة الشرائية للمواطن الأردني، دون إغفال سبب آخر يتعلّق بعدم التمكّن من وقف تزوير تقوم به بعض المكتبات ودور النشر الأردنية للكتاب العربي لبيعه بأسعار أقلّ.
رغم تلك المعطيات إلا أن مشاركة دور النشر اتسمت بتنوّع جغرافي أكبر قياساً بدورات سابقة تركّز حضورها على عدد من البلدان المجاورة؛ العراق وسورية وفلسطين ولبنان ومصر، بينما تشارك في العام الحالي دور نشر من بلدان الخليج العربي والمغرب وتونس وتركيا والصين، وإن كان بأعداد قليلة.
لم يشهد المعرض حضوراً كبيراً لعوامل عدّة تتعلّق ربما بموجة الحرّ الشديدة التي استمرت طوال الأيام الخمسة الأولى، ولتنظيمه في الأسبوع الأول من العام الدراسي 2022/ 2023، ما يعني تكبّد شرائح اجتماعية نفقات تحول دون تخصيصهم مبالغ لاقتناء الكتب، يضاف إلى ذلك كله الارتفاع المتصاعد في أسعار سلع أساسية عالمياً، في مقدّمتها الطاقة والغذاء.
منع "صوت الحمير"
لم تتأخر الجهات المسؤولة عن سحب نسخ رواية "صوت الحمير" للكاتب أيمن العتوم من المعرض، بناءً على رأي "دائرة الإفتاء" التي عُرضت عليها الرواية عبر دائرة المطبوعات، بذريعة أنها "تسيء إلى الأئمة والأعراف والأديان". حادثة المنع التي وقعت في اليوم الأول، كان يتمّ تجنّبها في دورات سابقة عبر إبلاغ الناشرين بشكل ودّي حظر عنوان ما، دون مصادرة نسخه، بل كان يغضّ النظر عن بيعه في حال عدم عرضه في جناح الناشر.