تسعةُ أيّام بدلاً من ثمانية. كان هذا واحداً من مجموعة إجراءات أعلنت عنها وزارة الثقافة قبل شهرٍ من موعد الدورة الخامسة والعشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب" التي انطلقت الخميس الماضي، ويُنتظَر أن تتواصل حتى الأوّل مِن نيسان/ إبريل المقبِل، بعد أن كان مُقرَّراً اختتامها نهايةَ الشهر الجاري.
لهذا الإجراء ما يُفسّره، فقد استبق عددٌ مِن الناشرين المحلّيين التظاهُرةَ، التي توقّفت لسنتَين متتاليتَين، بإصدار بيانات طالبوا فيها بتأجيلها إلى موعدها الاعتيادي في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، مُبرِّرين دعوتَهم بأنَّ المعرض سيكون، تقريباً، خارج فترة العُطَل المدرسية، بعد أن عمدَت وزارةُ التربية إلى تأجيل تاريخ بداية العطلة الربيعية مِن السابع عشر مِن آذار/ مارس إلى الثلاثين منه. وهكذا، سيكون اليومُ الإضافي، الذي سيُصادف الجمعة - وهو يوم عُطلة في الجزائر - بمثابة فرصة أخيرة لمن لم يُسعفهم الوقت لحضور المعرض في أيّامه الثمانية.
كان "الدفترُ الصحّي"، الذي بات إلزامياً لدخول الفضاءات الثقافية منذ نهاية العام الماضي، أحدَ المبرّرات التي استند إليها الناشرون في دعوتهم إلى تأجيل المعرض؛ إذْ رأوا أنَّ فرْضَهُ سيحُولُ دون إقبال الزوّار. لكنّ إدارة المحافظة أبلغت، قبل أيام، دُور النشر المشاركة في الدورة الجديدة بأنّها لن تشترط دفتَر التلقيح، مُطالبةً، بدلاً من ذلك، بتطبيق الإجراءات الوقائية من انتشار فيروس كورونا؛ مثل التباعُد ووضع الكمامات الواقية.
ارتفاع بنسبة 29% في دور النشر مقارنة مع الدورة الماضية
على أنَّ أبرز الإجراءات التي سبقت التظاهُرة هو إعلانُ الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون، منتصف الشهر الماضي، إعفاءَ جميع دُور النشر مِن تكاليف استئجار الأجنحة، وأيضاً مِن الرسوم الجمركية. بدا ذلك تأكيداً على أنَّ تنظيم المعرض في هذا الموعد الاستثنائيّ قرارٌ سياسي بالدرجة الأُولى، وأنَّ تأجيله مُجدَّداً لم يعُد أمراً مقبولاً (أُعلن خلال السنتَين الماضيتين عن عدّة مواعيد لتنظيمه، لكن لم يجر الالتزام بأيٍّ منها)؛ إذْ بدا استمرارُ غياب التظاهُرة - بينما عادت معارِضُ الكتاب العربية والأجنبية العامَ الماضي - مُناقضاً للخطاب الرسميّ الذي يُؤكّد على اهتمام الدولة البالغ بالثقافة. أحدُ الأوجُه الإيجابية لهذا القرار هو أنَّ مِن شأنه جعلُ أسعار الكتب في متناول القرّاء، لكنْ، لا يبدو أنَّه انعكس بشكلٍ إيجابيّ على الأسعار.
إحدى نتائج إعفاء الناشرين مِن تكاليف كراء الأجنحة والرسوم الجمركية ستَبرز مِن خلال الرقم الكبير لدُور النشر المُشاركة في الدورة إذ بلغ عددُها قرابة 1250 داراً من 36 بلداً؛ وهو رقمٌ يُمثّل ارتفاعاً بنسبة 29 في المائة بالمقارنة مع الدورة الماضية التي أُقيمت في 2019. تُشارك مِن الجزائر لوحدها 266 دار نشر؛ بانخفاض قدرُه 12 في المائة مقارنةً بالدورة السابقة؛ وهو أمرٌ يُمكن تفسيره بتداعيات جائحة كورونا على الناشرين الذين جمّد عددٌ غير قليلٍ منهم أنشطته في السنتَين الأخيرتَين. وهذه الدُّور مجتمعةً تحضُر بقرابة 300.000 عنوان.
مِن جهة أُخرى، كانت وزارة الثقافة قد أعلنت عن إطلاق ما سمّته "منصّةً رقمية" قالت إنّها ستُتيح الزيارات الافتراضية للمعرض، مع إمكانية شراء الكتب عن بُعد، بهدف عصرنة هذه التظاهرة وتوفير خدمات رقمية جديدة "يستفيد منها كلُّ من لم يستطع التنقُّل إلى فضاءات المعرض، وإتاحة الفرصة لجميع الجزائريين تشجيعاً للقراءة". لكنّ اللافتَ أنّ الموقع الإلكتروني الذي جرى إطلاقُه بالتزامُن مع افتتاح الدورة الجديدة، أتى بنسخة واحدة هي الفرنسية، ولا يتضمّن سوى جدولٍ لمواعيد الفعاليات الثقافية المرافقة، فضلاً عن كونه صُمِّم بطريقةٍ تجعلُ استخدامه تجرُبةً بالغة التعقيد.
يغلب موضوع الذاكرة على البرنامج الثقافي المرافق للمعرض
وفي ما يتعلّق بالبرنامج الثقافي، يغلب موضوع الذاكرة على الدورةِ التي تُقام بالتزامن مع مرور ستّين سنةً على استقلال الجزائر. يَظهر ذلك من خلال الشعار الذي اختير لها؛ "الكتاب جسر الذاكرة"، ومِن خلال مواضيع الندوات التي تُقام على هامشها؛ ومِن بينها ندوةٌ حول "عيد النصر واتفاقيات إيفيان"، وأُخرى حول "الأمير عبد القادر الجزائري والكتابة"، وأيضاً في الأسماء التي تجري استعادتُها؛ حيثُ جرى التركيز على كتّابٍ جزائريّين قاوموا الاحتلال الفرنسي؛ مثل الربيع بوشامة، والعربي التبسّي، ومحمد الأمين العمودي، ومولود فرعون.
وتُكرّم الدورة كلّاً من الناشر عبد الله شغنان، والروائي قدور محمصاجي، والكاتب والمناضل في الثورة الجزائرية محمد الصالح الصديق، والأكاديمي واللساني عبد المالك مرتاض، كما تستعيد كتّاباً رحلوا خلال السنة الماضية؛ مثل الروائي مرزاق بقطاش، والمؤرّخ عبد المجيد مرداسي، والباحث في علم الاجتماع حاج ملياني.
ويتضمّن البرنامج الثقافي، أيضاً، ندوات حول "الجوائز الأدبية"، و"الرواية وعالم النشر"، و"أشكال الكتابة الأدبية المعاصرة في الجزائر"، و"علاقة الكتابة الأدبية والأدب الشفهي بالأوبئة"، و"تأثير جائحة كورونا على حياة البشر اليوم".
تَحلُّ إيطاليا ضيف شرفٍ على الدورة. وفي هذا السياق، تُقام مجموعة من الفعاليات الثقافية؛ من بينها ندوةٌ استعادية لرجل الأعمال الإيطالي المساند للثورة الجزائرية إنريكو ماتي (1906 - 1962)، والمناضِل والدبلوماسي الراحل الطيّب بولحروف (1923- 2005) الذي كان ممثّلاً للحكومة الجزائرية المؤقّتة في روما عام 1958، إضافةً إلى ندوة حول "الرواية والتاريخ" بمشاركة كتّاب جزائريّين وإيطاليين، وثانية بعنوان "إيطاليا في المخيال الجزائري"، وثالثة حول "الرواية التاريخية في إيطاليا"، ورابعة حول "ترجمة الروايات الجزائرية في إيطاليا وترجمة الروايات الإيطالية في الجزائر"، وخامسة حول "الثورة الجزائرية وتضامُن الشعب الإيطالي"، إلى جانب أربعة لقاءات حول "العلاقات الثقافية بين الجزائر وإيطاليا" في مجالات اللغة والأدب والسينما والمسرح.