غاب "معرض الجزائر الدولي للكتاب" في السنتَين الماضيتَين بسبب جائحة كورونا. لكنَّ القائمين عليه كانوا قد ضربوا، خلال تلك الفترة، عدّة مواعيد لتنظيمه، ثُمّ أخلفوا بها جميعاً؛ وكان من بينها إعلانُ مدير التظاهُرة حكيم ميلود، في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، عن إقامة الدورة الخامسة والعشرين منه بين السادس والخامس عشر من كانون الثاني/ يناير 2022، قبل أن تجرى إقالتُه، ويعيّن محمّد إيقراب - الذي سبق أن تولّى المنصب نفسه عام 2019 - خلفاً له، وكان أوّلَ ما أعلن عنه تأجيلُ الدورة إلى إشعار آخر.
وسْط استياء ناشرين جزائريّين من التأجيلات المتكرّرة، أعلنت وزارة الثقافة، مطلعَ كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، أنّ المعرض سيُقام بين الرابع والعشرين والواحد والثلاثين من آذار/ مارس المقبل. وبالفعل، تحدَّث ناشرون محليّون وعرب، عبر مواقع التواصُل الاجتماعي، عن استعدادهم للمشاركة فيه، بعد أن تواصَلت معهم إدارةُ التظاهُرة.
سيُثير القرارُ استياء عددٍ من الناشرين الجزائريّين على نحو معاكس هذه المرّة؛ إذ أصدرت قرابةُ ثلاثين دار نشر محلّية، يوم الثلاثاء الماضي، بياناً دعت فيه وزارةَ الثقافة إلى تأجيل المعرض، بناءً على ما سمّته "معطيات تطوّرَت تدريجياً في اتّجاه لا يخدم صورة الجزائر الثقافية، والتي يُعتَبر معرضها الدولي للكتاب واجهةً مهمّة حضارياً واقتصادياً وقِبلة دولية للناشرين عبر العالم، الذين يصفون دوماً معرض الجزائر بالواعد والمربِح".
عدّد الموقّعون على البيان أربعة أسباب تُبرّر دعوتهم إلى تأجيل المعرض
يُفصّل البيانُ أربعةَ أسباب رئيسية للمطالبة بإقامة المعرض في تاريخه المعتاد، أي تشرين الأوّل/ أكتوبر؛ أوّلُها: "دفتر التلقيح"، الذي بات، منذ نهاية العام الماضي، إجبارياً للدخول إلى التظاهرات والمؤسّسات الثقافية؛ إذ يرى الموقّعون أنّه "سيكون حاجزاً أمام ملايين الزوّار، لكون نسبة التلقيح في الجزائر لا تزال محدودةً جدّاً. وهذا المُعطى سيتسبّب في خسارات فادحة للناشرين".
يلفت البيانُ أيضاً إلى أنّ المعرضَ سيتزامن مع حلول شهر رمضان الذي يتطلّب مصاريفَ إضافيةً؛ وهو ما يعني "أنّه قد لن يكون في وسع المواطن البسيط إدراج الكتاب ضمن برنامجه، تِبعاً لقدرته الشرائية"، كما أنّ المعرض سيكون "خارج فترة العُطَلة المدرسية، بعد قرار وزارة التربية تأجيل العطلة الربيعية لتبدأ في الثلاثين من آذار/ مارس المقبل بدل السابع عشر منه".
ورغم أنَّ وزارة الثقافة لم تذكُر بعد ما إذا كانت ستُنظّم دورةً أُخرى من المعرض في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، فإنَّ البيانَ يُضيف سبباً رابعاً؛ يتمثلّ في "صعوبة تنظيم معرضين دوليَّين للكتاب في سنة واحدة"، مُعتبِراً أنّ "المعرض المقبِل - محلَّ الانتقاد - سيكون حاجزاً أمام نجاح معرض خريف 2022؛ حيثُ سيُواجِه الأخيرُ غياباً لعدد كبير مِن الناشرين، خصوصاً الأجانب، الذين لن يكون بمقدورهم المشاركة في معرضين تفصل بينهما ستّة أشهر ببلد واحد". وهذا يعني أنّ مطلبَ الناشرين الموقّعين هو إلغاء دورة آذار/ مارس برمّتها، وليس تأجيلَها، كما يرد في البيان.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول رفيق طيبي، مدير "دار خيال"، إحدى دُور النشر الموقّعة على البيان، إنَّ "الإقبال على المؤسّسات الثقافية في الجزائر بات منعدماً تقريباً في الأشهر الأخيرة بسبب اشتراطها دفتر التلقيح للدخول إليها، وهو ما سينسحب على المعرض بالتأكيد"، مُشيراً إلى أنّ اشتراط "المكتبة الوطنية الجزائرية"، التي تُصدر تراخيص النشر، الدفتَر "سيُعقّد من مهمّة الناشرين".
غابت عن البيان الأسماء البارزة في صناعة الكتاب بالجزائر
يلفت طيبي إلى أنّه "لا يمكن تنظيم معرضَين دوليَّين في سنة واحدة؛ خصوصاً أنَّ الناشرين يعيشون وضعاً صعباً قد لا يمكّنهم من دفع مستحقّات المشاركة الباهظة نسبياً بسبب التردّي الاقتصادي العام"، مضيفاً: "لا بدّ من الإبقاء على المعرض في تاريخه المعتاد؛ خصوصاً أنّ المعطيات تُشير إلى اقتراب الوباء من نهايته. وستكون ستّةُ أشهر إضافية كافيةً للتحضير الجادّ، ولإنهاء شبح دفتر التلقيح، ولتحسُّن مأمول للوضع الاقتصادي والاجتماعي".
يحمل البيانُ توقيعات دُور نشر صغيرة وجديدة، بعضُها تجاريُّ تماماً ويُتّهَم في الأصل بتمييع المشهد النشري وإغراقه بمئات الإصدارات الرديئة شكلاً ومضموناً، بينما تغيب عنه الأسماء البارزة والفاعلة في مجال صناعة الكتاب بالجزائر، وهو ما سيجعلُ تأثير الدعوةِ إلى "تأجيل" المعرض محدوداً، أو منعدماً بالمرّة.
تبدو الدعوةُ منطلقةً من هاجس تجاريّ؛ إذ يُركّز الموقّعون، في مبرّرات دعوتهم، على دفتر التلقيح الذي سيكون، وفق تعبيرهم، عائقاً أمام إقبال الزوّار على المعرض، بينما ستكونُ نسبةُ الدخول إليه محدَّدةً من الأساس، مثل ما جرى في معارض الكتاب التي نظّمتها بلدانٌ عربية وأجنبية خلال فترة الوباء.
يرى بعضهم الدعوة محاولة لقطع الطريق أمام دخول الكتاب العربي والأجنبي
في المقابِل، يُبدي الكاتب بشير مفتي، وهو أحد المشرفين على "منشورات الاختلاف"، رفضَه فكرةَ تأجيل المعرض، قائلاً في حديث إلى "العربي الجديد": "صحيحٌ أنّ اشتراط دفتر التلقيح سيُؤثّر سلباً على إقبال الزّوّار. لكن كان بالإمكان المطالبة بإلغاء هذا الشرط ــ إنْ كان موجوداً فعلاً ــ بدل الدعوة إلى تأجيل التظاهُرة برمّتها"، مضيفاً: "برأيي الشخصي، بإمكان مَن لا تُناسبه ظروف الدورة المقبلة ألّا يُشارك فيها، عوضَ أن يدعو إلى تأجيلها أو إلغائها".
بالنسبة إلى مفتي، فإنّ عودةَ المعرض، بعد أكثر من سنتَين ونصف منذ إقامة دورته السابقة، من الأهمّية بمكان، خصوصاً بالنسبة إلى القارئ المحلّي: "المعرضُ هو فرصةُ القارئ الجزائري الوحيدةُ للاطّلاع على جديد الإصدارات العربية والأجنبية التي لا تصل إليه خارج هذه المناسبة في غياب استيراد الكتاب الأجنبي. وغيابُه مُجدّداً يعني أنّ القارئ سيُحرَم لفترة أطول من إصدارات الناشرين العرب والأجانب، التي يقصدُ معظم الزوّارُ المعرضَ خصّيصاً من أجل اقتنائها، بما أنّ الكتاب الجزائري متوفّر خارج أيّام المعرض"، لافتاً أيضاً إلى أنّ المكتبات الجزائرية ستستفيد من المعرض، بما أنّ القوانين لا تسمح لأصحابها باستيراد الكتب.
تأتي الدعوة قبل قرابة شهرٍ من الموعد المفترض لإقامة المعرض. وفي هذا السياق، تُعلّق الأكاديمية والصحافية حسينة بوشيخ قائلةً: "يبدو الموقّعون غير آبهين أو مدركين بأنّ دور النشر العربية والأجنبية حضّرت نفسها للمعرض وأرسلت كتبها ودفعت رسوم المشاركة. إلغاؤه الآن سيكون ضربة لسمعة وصورة البلد"، بينما يعتبر ناشر آخر (رفض الكشف عن اسمه) أنّ الدعوة "محاولة لقطع الطريق أمام دخول الكتاب العربي والأجنبي، حتّى تستفرد مجموعة من دُور النشر التجارية بالسوق المحلّي".