لا تخفي كلمة "فلسفة"، في أصلها اليوناني، ما يمثّل جوهرها: حبّ المعرفة؛ حبٌّ لا يعني تعلّقاً وتفضيلاً لا معرفة من أجل مراكمة المعلومات، بل من أجل معرفة العالم والأشياء التي تحيط بنا، وإيضاحها بالخطاب والفكر، وهو المعنى الذي التصق بالتفلسف منذ أفلاطون حتى اليوم.
إلى هذه الرؤية تنتمي أغلبُ الأعمال المعروفة في تاريخ الفلسفة، والتي حاول مؤلّفوها فهم واقعهم، ولعلّ عبارة هيغل المعروفة أفضل تمثيل على هذا: "الفلسفة هي زمانها وقد جرى استيعابُه بالفكر".
ضمن هذا المسعى يأتي الكتاب الجماعي "معجم الزمن الحاضر"، بتحرير المفكّرين الفرنسيين إيف شارل زرقة وكريستيان غودان، الصادر حديثاً لدى منشورات "لو سير" في باريس، والذي يضمّ تعريفاتٍ وتحليلات لـ445 كلمة ذات حضور وتأثير كبيرين في عالمنا؛ كلمات لم تكن موجودةً قبل عدّة عقود، أو كانت موجودةً لكنّها كانت تحمل معنى مختلفاً وأقلّ حسْماً من هذا الذي تحمله اليوم.
يعطي غلاف الكتاب، وحده، صورةً عن هذه الخارطة المفاهيمية التي يسعى المؤلّفون المشاركون إلى إيضاح معالمها للقرّاء، حيث نقرأ عليه عبارات مثل "إبادة بيئية"، و"العناية"، و"ميتافيرس"، و"تاغ"، و"قتْل رحيم"، و"سيلفي"، و"توحُّد"، و"صديق على فايسبوك"، و"تثاقُف"، و"التغيّر المناخي"، وغيرها من المفاهيم التي تُعطي شكلاً لواقعنا ونقاشاتنا العامّة اليوم.
يُبدي المؤلّفون مرونةً في مقاربتهم لأغلب المفردات التي يتناولونها، حيث ننتقل في قراءتنا بين تعريفاتٍ مقتضبة كتلك التي نقرأها في معاجم عامّة، وبين تعريفاتٍ تزوّد القارئ بعمق تاريخيّ ومقارَن حول المفهوم الذي يتناوله المؤلّف، إضافة إلى تعريفاتٍ تميل إلى التحليل والنقد الفلسفيين، خصوصاً عند بعض المفاهيم الأكثر حساسيةً - على المستويين الاجتماعي والسياسي -، ما يُخرج الكتاب من حيادية وبرودة المعاجم التقليدية، ليصبح عملاً يطمح إلى أن يكون موسوعة نقدية معاصرة، وإنْ كانتْ مصغّرةً.