في عام 1966، نشَر المحامي والأكاديمي البريطاني إيان براونلي (ليفربول، 1932 – القاهرة، 2010) كتابه "مبادئ القانون الدولي العام" الذي ترجم إلى لغات عدّة، واعتبر مرجعاً في حقله النظري بالنظر إلى عمق معرفة المؤلّف وإدخاله فصولاً حول حقوق الإنسان والبيئة ومواضيع أخرى في طبعاته التي تتالت لاحقاً.
صدرت عن "سلسلة ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" النسخة العربية من الطبعة الثامنة للكتاب (2012) والتي حررها جيمس كروفورد، بترجمة محمود محمد الحرثاني.
يعد الكتاب أحد أهم المراجع في القانون الدولي منذ ستينيات القرن العشرين؛ إذ إنه يعرض مادة علمية رصينة تتعلّق بمجالات القانون الدولي المختلفة، ويسعى على مدى ثلاثة وثلاثين فصلًا إلى تقديمه بوصفه نظامًا للعلاقات بين الدول والكيانات الأخرى، تغنيه خبرة مؤلفه التي تمتد خمسين عامًا في المرافعة أمام المحاكم الدولية والتحكيم الدولي، وجهد محرره الذي أضاف إلى المادة الأساسية للمؤلف بعد رحيله، وعدّل فيها مراعاةً لما استجد في هذا المجال من تطورات.
يعرض الكتاب عدداً كبيراً من الأمثلة العملية عن قضايا دولية، قديمة ومعاصرة
يعرض الكتاب أيضَا عددًا كبيرًا من الأمثلة العملية عن قضايا دولية، قديمة ومعاصرة، من شتى أنحاء العالم، حيث تتناول هذه الطبعة الثامنة، المحدّثة بالكامل، مصادر القانون الدولي وعلاقته بالقوانين الأخرى وأشخاصه، وتعالج مسائل؛ مثل: الاعتراف والسيادة والبيئة والعلاقات الدبلوماسية والخلافة في الحقوق والواجبات والجنسية والمسؤولية والمنازعات الدولية، وغير ذلك من مسائل القانون الدولي.
يبيّن المؤلّف أن القانون الدولي يضع إطارًا معياريًا لسلوك العلاقات بين الدول، وبهذا المعنى، لا يمثل المجتمع الدولي استثناءً لقاعدة؛ فحيثما وُجدت البُنية الاجتماعية، وُجدَ القانون. وتحدّد مصادر القانون الدولي قواعد النظام؛ فإذا كانت القاعدة المرشحة صحيحة من وجهة نظر واحد أو أكثر من مصادر القانون الدولي المقرّرة، يمكن عندئذٍ قبولها جزءًا من القانون الدولي.
كما يلفت إلى أنه من الشائع بين الكُتّاب التفريقُ بين مصادر القانون الرسمية والمصادر المادية؛ فالمصادر الرسمية هي الوسائل التي تضع قواعد بغية التطبيق العام، وهي مُلزمةٌ لمتلقيها قانونًا، بينما توفّر المصادر المادية الدليل على وجود قواعد حين تنشأ تكون ملزمةً ومقتضية للتطبيق العام. مع ذلك، وفي سياق العلاقات الدولية، يكون استخدام مصطلح المصادر الرسمية مضللًا؛ لأنه يذكّر بأفكار ترتبط بالآلية الدستورية في سن القانون داخل الدول. فلا وجود لمثل هذه الآلية في عملية سن القانون الدولي؛ ذلك أن قرارات محكمة العدل الدولية دعمت بالإجماع قرارات الجمعية العامة بشأن بعض القضايا القانونية، كما أن بعض المعاهدات المتعددة الأطراف، التي كانت تحاول تدوين قواعد القانون الدولي وتطويرها، جميعها مهمة بنسب تتفاوت، غير أنها ليست ملزمة للدول عمومًا، وبهذا المعنى فإن المصادر الرسمية لا تكاد توجد في القانون الدولي. وحتى يوفّر القانون بديلًا أو مرادفًا دستوريًا للمصادر الرسمية، يتصرف القانون الدولي على أساس أن التراضي العام أو قَبول الدول قد يخلق قانونًا يمكن تطبيقه عمومًا. وتعريف العرف في القانون الدولي هو تصريحٌ بهذا المبدأ، وليس إشارة إلى العرف القديم كما هو الحال في القانون الإنكليزي.
ويشير الكتاب إلى أنه يصعب التفريق في القانون الدولي بين المصادر الرسمية والمادية؛ فالمصادر الرسمية تتراجع في طبيعتها إلى مبدأ شبه دستوري من التعميم الحتمي العاجز. وما يهمّ أكثر هو تنوّع المصادر المادية، فهي الدليل البالغ الأهمية على الإجماع المعياري بين الدول والفاعلين الآخرين من ذوي الصلة في ما يتعلق بقواعد أو ممارسات معينة. وتُعدُّ قرارات محكمة العدل الدولية، وقرارات الجمعية العامة، ومعاهدات سن القانون المتعددة الأطراف دليلًا على موقف هؤلاء الفاعلين من بعض القواعد المعينة ومن حصول الإجماع وعدمه، وثمة عملية تفاعل تعطي ما سبق مكانةً هي أسمى - إلى حدٍّ ما - من المصادر المادية.
يُذكر أن إيان براونلي درس في كلية هرتفورد بـ"جامعة أكسفورد"، حيث حاز الدكتوراه. حاضرَ في جامعات عدة (نوتنغهام، وادهام، أكسفورد، مدرسة لندن للاقتصاد). ألّف عددًا من الكتب في هذا المجال منها "القانون الدولي واستخدام القوة بين الدول" (1963)، و"الوثائق الأساسية في القانون الدولي" (1967)، و"الوثائق الأساسية لحقوق الإنسان" (1971)، و"الحدود الأفريقية: موسوعة قانونية ودبلوماسية" (1979).