"فرويد والجائحة": في تشابه الأمس واليوم

29 مايو 2021
فرويد مع حفيدته إيف (Getty)
+ الخط -

يعرف المطّلعون على مسار سيغموند فرويد (1856 ــ 1939) أن نشر كتاب "ما وراء مبدأ اللذة"، عام 1920، يمثّل منعطفاً في مسار المحلّل النفسي النمساوي، حيث يتخلّى للمرة الأولى عن إعطاء الأولوية إلى مبدأ الرغبة في تحريك الحياة النفسية لدى البشر، الذي دافع عنه في أغلب أعماله السابقة، ليمنحها إلى غريزة الموت، التي ستحتلّ جزءاً من المشهد النظري في تحليلاته بدءاً من هذا التاريخ.

كما أنه من المعروف، بشكل واسع، أن تأليف فرويد لهذا العمل متأثّرٌ بسياق الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) التي كُتب خلالها، حيث كان صاحب "تفسير الأحلام" شاهداً على دور العنف والقتل وتأثيرهما على الحياة النفسية، كما كان شاهداً ومنظّراً لتشكيل الحرب أنواعاً جديدة من العصاب والصدمات النفسية، التي حلّلها عن قرب انطلاقاً من حالات مرضى قام بالإشراف عليهم شخصياً.

لكنّ تأثّر فرويد بجائحة الإنفلونزا الإسبانية (1918 ــ 1920) ما يزال شبه مجهولٍ، رغم دوره الكبير في وصول طبيب الأعصاب النمساوي إلى أطروحاته وصياغاته الجديدة حول دور الموت في البُنية النفسية الإنسانية. ويعود هذا التأثّر، بشكل أساسي، إلى فقدان فرويد ابنته صوفي خلال الجائحة، بعد إصابتها بالإنفلونزا الإسبانية، وهي نقطةٌ أشار إليها عددٌ من ناقديه الذين رأوا مبالغةً في قوله إن "هدفَ كلّ حياةٍ هو الموت"، محيلين هذا التشاؤم إلى حزنه على رحيل ابنته أكثر منه إلى تفكير معمّق.

"1920/2020: فرويد والجائحة" عنوانُ معرض يسعى "متحف فرويد في لندن" من خلاله إلى الإضاءة على علاقة صاحب "موسى والتوحيد" بالأزمة الصحّيّة التي ألمّت بالكوكب قبل مائة عام، والتي تحمل الكثير من نقاط التشابه مع جائحة كورونا التي تعرفها البشرية من أكثر منذ عام ونصف.

يقدّم المعرض ــ الذي انطلق في التاسع عشر من أيار/ مايو الجاري ويستمرّ حتى الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر ــ لمحةً عن أفكار فرويد حول الجائحة التي عايشها، وذلك انطلاقاً من رسائل تبادلها مع أصدقاء وزملاء له في الأيام التي تلت وفاة ابنته.

وتعطي هذه الرسائل ــ التي يقول منظّمو المعرض إنه قلّما جرى عرضُها في السابق ــ صورة عن النحو الذي استجاب فيه فرويد للجائحة، إن كان على المستوى الشخصي، أو على المستوى المِهَنيّ. كما تشتمل على تحليلاتٍ وقراءات في مفاهيم الموت والفقد والحياة.

وإلى جانب رسائل فرويد، يقترح المعرض على زوّاره مقاطع مصوّرة لمحلّلين ومختصّين نفسيين يتحدّثون عن جائحة كورونا وتَبِعاتها، كما تُعرَض أعمالٌ تشكيلية للفنانة جوليا لوكهارت، تتناول فيها مسألة الحُلم انطلاقاً من وجهة نظر تحليل ـ نفسية، كما تصوّر فيها مشتغلين في القطاع الصحّي النفسي وهم على رأس عملهم.

وكما جرى في زمن فرويد، حيث غيّرت جائحة الإنفلونزا الإسبانية في طريقة عمل ومقاربة التحليل النفسي، فإنّ جائحة كورونا التي ما نزال نشهدها قد ألمّت أيضاً بالتحليل النفسي، الذي يواجه أسئلةً حول المشاكل النفسية التي تتسبّب بها الجائحة، من فقدان وعُزلة وعدم قدرة على وداع الراحلين والحداد عليهم، والذي يواجه أيضاً امتحاناً متعلّقاً بأساليب عمله العيادية وصعود نجم العلاج عن بُعد.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون