للغابة تأويلاتٌ مختلفة عند المدارس التشكيلية، ولو أنّ مفهوم النزوع إليها ظلّ مُهيمناً بوصفه نقيضاً لما جنته المَدنية على الإنسان؛ بهذا برزت ثُنائية النقاء والتلوّث التي سرعان ما اشتغلت عليها تيّارات من الرومانسيين والانطباعيين.
شيءٌ من هذا الحضور يلمسه المتلقّي في معرض "داخل غابتي المكسورة" للتشكيلي اللبناني ألان فاسويان (1966)، المستمرّة فعالياتُه حتى 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل في "غاليري جانين ربيز" ببيروت.
لكنّ هذا ليس أكثر من عتبة أوّلية سرعان ما تتلاشى أمام تجهيزات تُشقّق معنىً جديداً للغابة، لا تخلو من تأثيرات سريالية، كما تحاول النظر بواقعية في راهن الغابة اللبنانية، دون أن تتحوّل إلى عملٍ بيئيّ صرف، أو ما بات يُعرف بـ"فنّ الأرض".
يمكنُ الالتفات أيضاً لنسبة الغابة إلى الفنان: "غابتي"؛ هل استحالتِ الأشجار إلى حالة نفسية يترجمها بلوحات وتجهيزات، أم أنّ دخيلته هي مرآة لما تُعانيه النباتات من دمار وحرائق حدّ التفحُّم والاسوداد؟ عند هذا الحد، لا يُمسك فاسويان بهذا المقام النفسي إلا ليوقّعه لونياً بأغصان وجذوع سوداء تمدُّ رذاذها الداكن إلى ما حولها من كائنات أيضاً.
وبما أنّ غابة فاسويان قد تفحّمت واسودّت وفارقت الحالة الخضراء، فإنّ اللون الآخر الذي يحضر ليوشّح اشتغالات المعرض – إلى جانب الأسود – هو الأحمر؛ ربّما لمقاربة داكنة تجمع بين الاثنين، وتقدّمهما كجدلية واقعية لا تحتاج طولَ تفسير أو شرح؛ إنّها عناصر تشكيلية قريبة من بعضها حدّ الوضوح، ولا ترمي إلى أي مسافة أبعد من ذاتها البسيطة.
تُحافظ تجهيزات المعرض على رهبة السواد وقلقه، ليس هو السواد الطبيعي الذي ميّز لوحات التشكيلية المكسيكية مارغريتا موراليس التي عُرضت في الغاليري نفسه قبل شهر بعنوان "قوّة اللون"، بل هو اللون المُفتعَل القادر على الامتداد والمفاجأة، والذي لو غبتَ عنه قليلاً ستعود لتجده قد تفرّع أو ازداد غُصناً إضافياً.
بالانتقال من إطار اللون إلى الحجم، يوقّع فاسويان بمجموعة من الكائنات المينيمالية حالةً بصرية تركنُ إلى الدهشة، يتبدّى فيها بشرٌ بتنسيق مقلوب، وحيوانات تستحيلُ ذاتاً للغابة وتتّصل بها، وكأنّ عملية صهر سريعة ذوّبت هذه العناصر على حين غِرّة، والزمن قد تجمّد ولا يساعدها على الهروب.