لا تنضوي الكتابات العربية الثقافية على الكثير من الإصدارات التي تقارب العمارة، ليس من باب سير المعماريين وتاريخ العمارة ومدارسها، بل من زاوية المكان وفلسفته وعلاقته بالإنسان العربي وبالعمارة وساكنيها، ومن القلة الذين يكتبون في هذا السياق المعماري والكاتب العراقي أسعد الأسدي.
أصدر الأسدي على مدار العقد الماضي كتباً كثيرة منهمكة بالمكان، إلى جانب عدد كبير من المقالات التي تقارب الموضوع نفسه، ومن أبرز إصدارته "سكنى المكان" الذي نشر عن "دار أزمنة" في 2012 وقدمه الناقد ياسين النصير، الذي وصفه بأنه "يعيد تصور الحال الانتقائية للاشياء والمقتنيات من كونها أشياء في السوق الى اشياء مؤنسة في السكن، معتبرها الجزء الحي الدائم في حياتنا الذي يؤكد حيويته ويعمق اثره في مسار حياتنا ليكون قادرا على التشكيل والتواصل والحوار".
كما أصدر "شعرية العمارة"، و"معرفة المكان"، و"أشياء وأمكنة"، وفي هذا الأخير يقول " في قراءة كتاب عن العمارة، غالباً ما تتجلى العلاقة الإنشائية بين الشيء والمكان على وجهين لغويين: بناء نصّ مجاور يحقق الالتقاء بين التصور والواقع، أو نصّ يفكك ذلك الالتقاء ويبرهن على انفصال التصور عن الواقع. وكلا الأمرين صعب وخطير: أن تبني نصاً غريباً، طارداً لإنشاءات السرد وحرفياته. فالنص المعماريّ يُبتنى على أساس تصور أفقيّ، أو عمودي متراكم، تؤدي الكلمات فيه وظيفة الوصف الإسقاطي، الظاهري؛ بينما يحضّ النص السرديّ قارئه على استبطان الأشياء واستغوار الوظائف والتصورات".
قريباً يصدر الأسدي كتابه الجديد "عمارة وما حولها" عن دار "شهريار" في بغداد، وفيه ينظر الكاتب إلى المبنى بوصفه مقترح حياة ونمط عيش، فالمبنى كائن مديني، يُنَظّمُ ما فيه وما حوله، مدركاً مهمته في بعث الحيوية وخلق الجمال في أمكنة المدينة، إذ يتعاطى المبنى ممكنات بيئته ساعياً صوب الإشارة لوجودها، والكشف عن حضورها.
يدرس الكاتب المبنى وما فيه وما حوله، بوصفها موجودات قريبة من شاغلي الأبنية، تطمح في إنضاج خطاب ثقافي، وهذا يجعل في مهمتها أن تتحاشى الفراغ مما يشغل الإحساس ويوقد الذهن وهي حريصة أن تمتلك مناعة تمكّنها من مواصلة الحضور.
بحسب الكاتب فإن الأشياء تتدخّل في خلق شعور مختلف حول سيولة المشهد اليومي لوجوه الأشياء والجدران والمدينة، من أجل أن يوقظ في التلقّي جماليات معاينة العالم من حولنا.
يستكمل الكاتب أسئلته حول معاني الألفة وسلوك الذاكرة وعلاقته بالمكان والعمارة، ويطرح الأسدي في أعماله هذه جملة إشكاليات عن علاقة الانسان بالمكان من وجهة نظر فينومينولوجية، كما أنه ينظر إلى العمارة باعتبارها نصاً سردياً ويكتب عنه بأدوات يملكها من الداخل بوصفه معمارياً، فتغدو قراءته هذه بمثابة نص أدبي على النص المعماري.