"عصفور".. خريطة هشّة أمام المقصّ

26 اغسطس 2022
مزيج على قماش، 250X 150 سم (من المعرض)
+ الخط -

قبل أشهر، كانت بيروت على موعد فنّي مع "عبيط"؛ العنوان العبثي الساخر الذي اختاره التشكيلي اللبناني أدهم الدمشقي (1990) لمعرضه. حينها تنقّلت أبصار المتلقّين بين وضعيات "غودو" المختلفة، وهو الكلب الذي يصطحبه معه الفّنان، حيث تصدّر "غودو" بطولة اللوحات بامتياز، وكأنّه يمدّ لسانه إلى واقع قاسٍ يصعب إصلاحُه.

اليوم يعود الدمشقي مع لوحته ليشارك في "إكسبو بودروم للفنون المعاصرة"، بمعرض يحمل عنوان "عصفور" افتُتح الأحد الماضي في المدينة التركية، ويستمرّ حتّى بعد غد. في محاولة منه لترجمة فعل الهجرة وتحوّلاتها التي تقتطع من ذات الوطن، وتبدّد إمكانية التلاقي مُجدّداً، بحكم أنّ الواقع الثقيل لم يتغيّر بعد، على الرغم من سخريات "عبيط" وخفّة "عصفور" الموحية بسَفرٍ صوب الخلاص.

التحليق هي الموضوعة التي قد تتبادر إلى الذهن أوّلاً عندما نقرأ عنوان المعرض، وهذا صحيح لا شكّ فيه، لا حلمَ شغلَ الإنسان مثله منذ الأزل، كذلك السياق والظرف السياسي اللذين يمرّ فيهما لبنان من أزمات خانقة تضع ذلك الحلم في موقع أثير، يُفكّر فيه المواطن العادي ويشتاقُه، وكأنه يتمنّى أن يتعالى على المشهد وينظر إليه من عَلٍ.

عصفور 2 - القسم الثقافي
من أجواء المعرض

إنّما الفارق بين الحُلم والواقع ليس أكثر من مقصّ، يقطعُ هذا عن ذاك، القصّ هي العملية الأكثر صدماً، أشبه ما تكون بالاستيقاظ من الحلم الجميل وتبصُّر الوجود من حولنا، رحلة من التماسك إلى التبديد، وهذا مصير اللوحات بالفعل، فزوّار المعرض مدعوُّون إلى تقطيعها وتبديدها لا إلى الوقوف أمام اللوحات واتّخاذ موقف تأمّلي وحسب منها.

يترك الدمشقي المقصّ أمام اشتغالاته، ليتقدّم الزوّار على اختلافهم من تلك العصافير، ويقتطع كلٌّ منهم العصفور الذي يُلائمه مُرتحلاً به إلى وجهة غير معروفة، واقتطاعاً تلو الآخر تتفرّق العصافير وتتلاشى اللوحة حقّاً. هل في هذا إعلانُ انتصار للمقصّ على الريشة، وللتقويض على البناء، أو للتأكيد أن "اللوحة تشبه الوطنَ، عندما يفقد هويّته، يتحوّل إلى خريطة هَشَّة أو قماشة"، كما يقول التشكيلي في بيان المعرض الصحافي؟

المقارنة بين "عصفور" و"عبيط" تبقى مشدودة نوعاً ما، وإن اختلفت المصائر؛ المزيج اللوني بينهما على تقاطع كبير من حيث الأُطر الداكنة المشغولة بمراكز ذهبية ونارية، تُذكّر بـ"غودو"، أو ربّما يكون "عصفور" هو أحد تأويلات ذلك الكلب، التي من خلالها يُمكن للفنان أن يُسخّر تقنية التبديد دون أن يَمَسّ بصديقه الوفي أيٌّ ضرر مباشر، مَن يدري؟

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون