"دروب الفلسفة".. من الإذاعة إلى المكتبات

22 يونيو 2022
آدل فان ريت، منتجة ومقدّمة برنامج "دروب الفلسفة"، خلال مؤتمر لـ"راديو فرنسا"، 2011 (Getty)
+ الخط -

منذ إطلاقه عام 1971 على إذاعة "فرنسا الثقافية" (فرانس كولتور)، عَرف برنامج "دروب الفلسفة" العديد من التحوّلات التي لم تتوقّف فقط عند تغيير اسمه أكثر من مرّة: من "دروب المعرفة" أوّل الأمر إلى "دروب المعرفة الجديدة" بدءاً من عام 2007، قبل أن يستقرّ على اسمه الحاليّ منذ عام 2017. ذلك أن البرنامج، الذي تناوب على الإمساك بدفّته عددٌ من المشتغلين في الفلسفة بفرنسا، تغيّرت هويّته مع تغيّر القائمين عليه، إلى أن استقرّ، منذ عام 2011، تحت إدارة آدل فان ريت، التي جاءت إلى العمل الصحافي بعد دراستها الفلسفة في "المدرسة العليا للمعلّمين".

سيخرح البرنامج من حُلّته التقليدية بعد سنواتٍ قليلة من استلام فان ريت زمامه، وهي التي لم تخفْ من تحويل اسمه إلى "دروب الفلسفة"، رغم ما قد يرتبط بكلمة "فلسفة" من هيبة، إنْ كان عند المستمعين، أو حتى القائمين على البرمجة الثقافية، الذين يخشَون أحياناً من "نخبوية" و"صعوبة" التعبير الفلسفي وعدم جذبه، بالتالي، لجمهور كافٍ.

يعطي الكتاب صورة عن طبيعة البرنامج في وضوح وتنوّع مواضيعه

لكنّ الواقع أبدى عكس ذلك تماماً. فالبرنامج تحوّل، في السنوات الماضية، إلى أكثر برامج الإذاعة الثقافية الفرنسية تحميلاً واستماعاً عبر منصّات البودكاست الخاصّة بها، متجاوزاً كلّ البرامج "التاريخية" التي عُرفت بها الإذاعة الثقافية الأولى في فرنسا. نجاحٌ وضع اسمَ آدل فان ريت تحت الأضواء، ولا بدّ أنه كان الدافع إلى تعيينها، قبل أسابيع، مديرةً لإذاعة "فرانس أنتر"، أكثر إذاعات فرنسا جذباً للمستمعين (أكثر من 7 ملايين مستمع يومياً في عام 2021).

غلاف دروب الفلسفة

لم تشأ الصحافية، التي نشرت عدداً من الكتب حول تبسيط الفلسفة، مغادرة موقعها الذي شغلته لأعوام في البرنامج الفلسفي من دون ترْك وثيقةٍ وراءها. الحديث هنا عن كتاب "دروب الفلسفة: 25 طريقةً للعيش فلسفياً"، الذي حرّرت فيه مقابلاتٍ أجرتها خلال سنوات عملها، والذي صدر حديثاً في طبعة مشتركة بين دار "هيرشر" وإذاعة "فرنسا الثقافية".

يُعطي الكتاب صورةً عن واقع البرنامج الإذاعي خلال السنوات الماضية، حيث تُقَدَّم أعمال أكثر الفلاسفة والمفكّرين "صعوبةً"، مثل هيغل وكانط وسبينوزا، بأسلوبٍ ممتع يمكن حتى لغير المختصّين بالفلسفة فهمه. لا يعني هذا "تبسيط" مقولات الفلاسفة المذكورين، بل العمل على تقديم أطروحاتهم انطلاقاً من ثيماتٍ معيّنة، وهو ما يسهّل الدخول إلى تجاربهم من بوّابة "صغيرة"؛ تُضاف إلى هذا الاستعانة بمختصّين تعمّقوا في أعمال هؤلاء المفكّرين، ويستطيعون قولَ الكثير، بشكل واضح، حول إسهاماتهم. وبالتأكيد، تأتي أسئلة الصحافية الفرنسية لتشكّل حلقة الوصل بين هاتين النقطتين، حيث تساعدها خلفيتها الفلسفية، ورغبتها في تفكيك المقولات المعقّدة، على دفع ضيوفها المختصّين إلى توضيح مداخلاتهم وشرح عباراتهم التي قد تبدو صعبةً لقارئ غير مختصّ.

كما يعطي الكتابُ صورةً أخرى عن البرنامج في تنوّع مواضيعه، حيث ينتقل القارئ من مقابلةٍ حول نيتشه أو أفلاطون إلى أُخرى حول سينما هيتشكوك أو حول فلسفة ألعاب الفيديو، مروراً بحلقات عن فلسفة الرياضة، وعن الكاماسوترا، وسبينوزا، وموسيقى الجاز، وغيرها من المواضيع التي قد تبدو، للوهلة الأولى، بعيدةً عن مواضيع الفلسفة الاعتيادية، لكنِ التي سُرعان ما تكشف، لقارئ الكتاب، عن خصوبتها للتفكير الفلسفي.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون