للسنة الثالثة على التوالي، يصدر "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" الذي تأسّس عام 2007 بهدف العمل كهيئة استشارية تقدّم المشورة للحكومة الأردنية، تقرير حالة البلاد الذي يشخّص في جزء منها أحوال الثقافة وما تعانيه من مشكلات تشريعية وتنظيمية ومالية وكيفية تجاوزها، في رؤية تعيد ما تضمّنه التقريران السابقان والتي لم تأخذ المؤسسة الرسمية بأي من توصياتهما بطبيعة الحال.
في الخلاصة، يؤيد التقرير "حاجة" الثقافة إلى رعاية الدولة بسبب غياب الموارد، مشيراً إلى أن "للدولة رسالة تريد أن توصلها لأبناء شعبها، وهي المعنية بتحقيق التنمية الثقافية، وصون الثقافة الوطنية، وحمايتها من الاختراقات..."، ما يبعث على التساؤل عن ماهية الرسالة التي تريد الدولة الأردنية إيصالها خاصة في لحظة احتفائها بمئة عام على تأسيسها.
ما هي جهود وزارة الثقافة في تقديم دراسات محكّمة حول تاريخ الأردن أو إعداد مواد فيلمية توثّق لمختلف مناحي الحياة خلال القرن الماضي والتي يمكن العود فيها إلى مؤلّفات مهمة تتصدرها معلمة لتراث الأردني التي وضعها روكس بن زائد العزيزي (1903 – 2004)، بدلاً من نشر مقالات ومواد لا تحتوي أكثر من الإنشاء العاطفي دون إبراز سردية متماسكة ومتعدّدة زوايا النظر تجاه تأسيس أمارة شرق الأردن والتحولات السياسية والاجتماعية حتى اليوم.
يقف التقرير عند التباس مفهوم الثقافة وعدم القدرة على وضع استرايتجية وطنية شاملة
لكن التقرير يوضّح العديد من نقاط الضعف التي تعاني منها الوزارة، وفي مقدّمتها إلغاء صندوق دعم الثقافة وهو المطلب الذي لم تستطع الحكومة تحقيقه منذ نحو ثلاثة عشر عاماً من إقراره، ولا يتناول التقرير أية آلية جديدة لضمان إنشاء الصندوق، ولا يشير حتى إلى تصريحات وزير الثقافة السابق حول موافقة رئاسة الوزراء على قانونه العام الماضي، وبذلك نبقى نراوح ذات النقطة دون إمكانية حقيقية لتجاوزها.
كما يلفت إلى نقص وضعف الكادر الوظيفي المتخصّص لبعض الوظائف مثل الترجمة والتدقيق اللغوي والإدارة الثقافية وغيرها، والذي يندرج ضمن توصيات التقرير حول إعادة بناء المؤسسات يتطلّب "التمكين المعرفي لحلقات الإدارة العليا والمتوسطة"، وهي مسألة تبدو غير ذات اهتمام لدى صانع القرار في ظلّ عدم وجود حكومة رشيدة تضمن محاسبة المسؤولين على تقصيرهم وأخطائهم.
يشخّص المجلس الإرباك في التخطيط داخل وزارة الثقافة ومرّده الفردية في اتخاذ القرار
ويقف التقرير أيضاً عند التباس مفهوم الثقافة وعدم القدرة على تحديده، كما لم يفض الحراك الثقافي الاردني خلال عقود إلى وضع استرايتجية ثقافية وطنية شاملة بناء على تعريف مقترح للثقافة باعتبارها "معرفة عملية مكتسبة تنطوي على جانب معياري، وتتحلى في السلوك الواعي للإنسان (فرداً وجماعة) في تعامله في الحياة الاجتماعية مع الوجود بأجزائه المختلفة.
يشخّص المجلس بشكل واضح ومفصّل حالة الإرباك في التخطيط داخل الوزارة، موضّحاً الفردية في عملية اتخاذ القرار وتغيبب المؤسسية، وقد شكّل ذلك عاملاً أساسياً في الخلل في تنفيذ الخطط أحياناً، وسبباً في هدر الموارد، والأخطر من هذا وذاك أنه ولّد حالة من الإحباط واليأس من إمكانية بناء حركة ثقافية نوعية وفاعلة، ووشكّل نموذجاً سيئاً لإدارة العمل الثقافي يفتقد لثقة الجمهور.
من بين التوصيات البارزة التي تضمّنها تقرير حالة البلاد، إنشاء فرقة وطنية للمسرح، وتطوير الأوركسترا الوطنية، وتوثيق الإرث الموسيقي والغنائي الأردني، وإنشاء دار وطنية للنشر، وتأسيس أندية الطفل الثقافية في المحافظات، وإصدار تشريعات لحماية وصون التراث والآثار، ووضع مشروع المتحف الرقمي للفن التشكيلي الأردني موضع التنفيذ.