من زاوية بحثية، يمثّل تاريخ إيطاليا المعاصر منطقة تعجّ بالإشكاليات التي تتفرّع عن تأخّر تشكّل الدولة القومية (حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر) مقارنة بجيرانها، وهو ما انعكس على عدّة أصعدة منها عدم وجود تكافؤ تنموي بين شمال صناعي وجنوب زراعي، وبقاء النخب متشظّية بين الأيديولوجيات الوافدة، وقد انعكس ذلك على بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها.
من بين أبرز هذه الأجهزة المؤسسة العسكرية والتي يدرسها المؤرّخ الفرنسي هوبير إيرييس في آخر أعماله "تاريخ الجيش الإيطالي" الصادر في بداية الشهر الجاري عن منشورات "بيران".
يرى المؤلف أن الجيش في إيطاليا يمثّل استثناء مقارنة ببقية أجهزة الدولة مثل الشرطة والقضاء والمدرسة، حيث أنه كان من البداية، أي زمن توحيد إيطاليا تحت قيادة جيوزيبي غاريبالدي، مصدر فخر وتجميع، إضافة إلى كونه كان التعبير الأمثل عن الشعور الوطني المشترك.
جرى تأسيس الجيش الإيطالي في عام 1861 وكانت نواته جيش مملكة بيمونتي التي كانت نخبها السياسية والثقافية الأنشط في تحريك الشعور الوطني الإيطالي بضرورة التوحّد تحت راية وطنية واحدة. يرى إيرييس أن هذه القاعدة التي انبنى عليها الجيش الإيطالي لا تزال حاضرة إلى اليوم، ويستشهد في ذلك بخطاب الرئيس الإيطالي جيورجيو نابوليتانو في 2011 وفيه إشارة إلى نفس التصوّر حول الجيش باعتباره مؤسسة جامعة بعيدة عن كل تجاذبات الحياة السياسية.
يفتح التأريخ للجيش الإيطالي على إشكاليات كبرى في سردية تاريخ إيطاليا، مثل الجدل السياسي حول غزو ليبيا والقرن الأفريقي والذي كان متكافئاً في بداية القرن الماضي ولم يحسمه إلا صعود الفاشية إلى الحكم ومحاولة تمثّل الجيش الإيطالي ضمن صورة الجيش الروماني في العصور القديمة.