في عام 1934، أسّس الصحافي السوداني عرفات محمد عبد الله، ومعه مجموعة من المثقّفين الشباب، مجلّة "الفجر"، حيث كانت واحدة من عدّة مطبوعات سعت إلى دراسة التاريخ السوداني والعربي الإسلامي ضمن رؤية ناقدة للتصوّرات الغربية، وإلى تعزيز التعليم وتكريس الحداثة في المجتمع السوداني، إلى جانب مناقشتها مواضيع الفقر والبطالة والتنمية.
المجلّة التي تبنّت مقاومة الاستعمار البريطاني ووحدة الأراضي السودانية في وجه التفتّت الطائفي والقَبَليّ، اهتمّ كتّابها بدعم المرأة وتعزيز دورها في المجتمع من خلال التعليم وانخراطها في سوق العمل، كما اجتذبت المجلّة العديد من الكتّاب لنشر نصوصهم الشعرية والقصصية والمسرحية.
"برد: قصص قصيرة في مجلة الفجر السودانية، من ثلاثينيات القرن العشرين 1934- 1935" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "مركز عايدابي لفنون المسرح"، ويضمّ مجموعة نصوص أصدرتها المجلّة وعبّرت عن معظم التيّارات الأدبية والثقافية في البلاد.
يضمّ الكتاب الذي أعدّه يوسف عايدابي قصصاً لكلّ من الكتّاب: السيد الفيل، وعرفات محمد عبد الله، وحسن أحمد ياسين، والبدوي، وأبو حجّاج، ومحمد عبد الكريم، والهادي عثمان العمرابي، وسيد أحمد الأمين، ويائس، وحزامي، وفيها تبرز جملة من الأسماء المستعارة.
في مؤلّف أصدره الكاتبات السودانيان محمد أحمد محجوب وعبد الحليم عبد الله بعنوان "موت دنيا"، يدوّنان في تقديمه: "تجمّع رأينا على إصدار مجلة نصف شهرية تخدم الآداب والفنون، واخترنا لها اسم 'الفجر'، ذلك لأننا مؤمنون بأنه فجر صادق سرعان ما يتلوه الصبح... ومضينا لا يفلّ النقد عزمنا ولا يغرينا الثناء، وأخذت كبريات الصحف المصرية تنقل عن مجلّتنا المقالات الأدبية والقصص... لقد كانت حرباً عاتية بين الرجعية الفكرية والفكر الحر... وما صدر عدد من أعداد 'الفجر' إلّا وأعقبته ضجّة في دُور الحكومة وفي المجتمع، فالحكومة غير راضية عن اتّجاهاتنا، ضائقة ذرعاً بما نوجّهه من نقد سياساتها، والمجتمع شاك في أمرنا لأنه لم يتعوّد مثل تلك الصراحة في النقد ومجابهة الحاكمين".
وتتنمي النصوص المنشورة إلى بدايات القصّة القصيرة في السودان التي تعود إرهاصاتها إلى الثلاثينيات والأربعينيات، وتمثّلت الكتابة عن الواقع بأفكار مسبقة تحكمها العادات والتقاليد أكثر ممّا تمليه الضرورات الفنية والجمالية مع ميل إلى نزعة مثالية رومانسية.
يُذكر أن المجلّة توقفت عن الصدور بعد رحيل عرفات محمد عبد الله عام 1935 لفترة قصيرة، ثم استأنفت الصدور برئاسة أحمد يوسف هاشم قبل أن تتوقّف نهائياً بحلول سنة 1937.