"باريس ـ أثينا، ولادة اليونان الحديثة": في التلازم بين الآثار والفن

07 أكتوبر 2021
"سهرة أثينية على الشرفة" لـ ياكوفوس ريزوس، 1897 (من المعرض)
+ الخط -

تتمتّع اليونان بمكانة غريبة ومحورية، في الوقت نفسه، داخل المخيال الأوروبي. فهي، من ناحيةٍ أولى، الجزء الأبعد أو الأضعف من أوروبا، كما أظهرت ذلك الأزمات الاقتصادية التي عرفها البلد وتعامل الأوروبيين معها؛ بل هي بداية "الشرق"، وهي بلد ليس أوروبياً إلا على أوراق الاتحاد الأوروبي.

لكن، من ناحية ثانية، يظهر البلد بوصفه الأرض التي تفرّعت منها جذور الحضارة الغربية ومنتجاتها من فكر وفنون وعلوم وتنوير وفلسفة وحتى شعر. هذه هي الصورة التي أنتجها الرومانسيون، منذ نهايات القرن الثامن عشر، حول العودة إلى الأصول الإغريقية للحضارة الأوروبية، وهي الصورة التي لا تزال قائمة حتى اليوم، بل إنها منذ الرومانسيين ونيتشه زادت رسوخاً وتقبُّلاً بين عموم الغربيين، خصوصاً أن "العدوّ" الذي تُبنى سرديةُ "اليونان الأوروبية" على أساس الخصام معه، هو الدولة العثمانية، الذي تمرّ الآن مائتا عام على انفصال اليونان عنها.

هذه المنزلة الخاصة التي تعرفها اليونان في السرديات الأوروبية الحديثة والمعاصرة هي موضوع معرض "باريس ـ أثينا: ولادة اليونان الحديثة، 1675 ـ 1919" الذي افتُتح في متحف "اللوفر" بباريس في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر الماضي، ويستمرّ حتى السابع من شباط/ فبراير 2022. يسعى المعرض، بحسب منظّميه، إلى الإضاءة على "الروابط التي تجمع اليونان والثقافة الأوروبية، ولا سيّما من خلال تتبّع خيط العلاقات التي تجمع باريس وأثينا". 

يربط بين الاكتشافات الأثرية في القرن 19 وتطوّر الفنون الجميلة

روابطُ بدأت، في العصر الحديث، مع تعرُّف سُفراء ومبعوثين أوروبيين إلى اليونان وهم في طريقهم إلى الباب العالي، حيث كان البلد جزءاً من الدولة العثمانية. ورغم حماسة "اللوفر" لأوروبية اليونان منذ القرنين الـ 17 والـ 18، يشرح المعرض لزوّاره قيام القوى الأوروبية بدعم وتمويل حرب استقلال ضد حكومة إسطنبول، ليخرج البلد من تأثير إسلامي ـ شرقي ويصيرَ تحت نفوذ ألماني فرنسي بحلول منتصف القرن التاسع عشر. 

وبعد أعوام فقط من تحوّل أثينا إلى عاصمة، ستقيم فيها فرنسا وألمانيا مراكز للبحث في الآثار، وهو ما سيفتح الباب على مرحلة جديدة ستبني فيها أوروبا تاريخاً إغريقياً خاصاً بها، مع اكتشاف مئات المواقع التاريخية والتحف الفنية والآثار.

يريد معرض "اللوفر" لنفسه أن يكون أوّل معرض يعقد حلقة وصل بين هذه الاكتشافات الأركيولوجية من ناحية، وولادة الدولة اليونانية وتطوّرها من ناحية ثانية، إضافة إلى تطوّر الفنون البصرية الذي رافق هذه الاكتشافات من ناحية ثالثة. ولهذا الغرَض، يُتيح المتحف الباريسي عشرات المواد من قطع وبقايا ولقىً أثرية، ومن لوحات وتماثيل وصور، التي يجري ربطها بمراحل من التجربة السياسية التي عاشها البلد حتى عام 1919.

تُقام على هامش المعرض عدّة ندوات، من بينها واحدة تُعقَد الإثنين المقبل وتتناول العلاقة بين الكاتب الفرنسي شاتوبريان واليونان، فيما تُقام في التاسع والعشرين من الشهر الجاري ندوة حول ولادة الأدب القومي اليوناني.

المساهمون