"الوطني للمسرح المحترف": سؤال المهرجانات

19 مارس 2021
(مشهد من مسرحية "سكورا" المشاركة في الدورة الحالية، إخراج: علي جبارة)
+ الخط -

ما الذي تُقدّمه المهرجانات المسرحية لـ المشهد المسرحي وللحياة الثقافية وللمدينة؟ سؤالٌ كثيراً ما يتردّدُ خلال تنظيم مهرجانٍ مسرحي؛ فأجواء الفرجة والتواصُل والتفاعُل التي يخلقها طيلة أيام سرعان ما تنقضي مع إسدال الستار على عروضه، ليبدو وكأنَّ شيئاً لم يكُن.

في ندوة بعنوان "دور المهرجانات في ترقية الفعل المسرحي في الجزائر" أُقيمت أمس الخميس على هامش الدورة الرابعة عشرة من "المهرجان الوطني للمسرح المحترف" التي تستمر حتى بعد غدٍ الأحد، بدا المتدخّلون متّفقين على أهمية تنظيم المهرجانات المسرحية وتمويلها من الدولة، لكنّهم ربطوا ذلك بوجود مشروع ثقافي.

في مداخلته، تحدّث الأكاديمي إبراهيم نوّال عمّا سمّاه الانعكاسات الثقافية والاقتصادية لـ المهرجانات الثقافية، والمسرحية بوجهٍ خاصّ، والتي قال إنَّ الدولة نظرت إليها منذ الاستقلال باعتبارها "أداةً للمواطنة"، مُعتبراً أنَّ المهرجانات توفّر فضاءاتٍ لعرض الأعمال المسرحية الجديدة وبروز مواهب شابّة في الإخراج والتمثيل وغيرهما من مهن العرض، وأيضاً لمناقشة قضايا متعدّدة؛ سواء تعلّقت بالفعل المسرحي نفسه، أو بالثقافة والتراث والثقافة والتاريخ، فضلاً عمّا تتيحه من تواصُل بين المسرحيّين وإثراء لتجاربهم من خلال اللقاءات العلمية والدورات التدريبية.

يرى البعض أنّها مجرّد احتفالاتٍ موسمية تستنزف موازناتٍ كبيرة من دون أن تترك أثراً

لا يغفل نوّال، الذي كان على مدار عدّة سنوات فاعلاً في "المسرح الوطني الجزائري" والمهرجانات المسرحية التي يُنظّمها أنَّ دعم الدولة للمهرجانات الثقافية يُواجَه بالكثير من الانتقادات التي ترى فيها مجرّد احتفالاتٍ موسمية تستنزف موازناتٍ مالية كبيرة من دون أن تترك أثراً يُذكر بعد اختتامها، لكنه يُشير في المقابل إلى أصواتٍ أُخرى تُصرّ على ضرورة استمرار الدعم الرسمي للمهرجانات باعتبارها عنصراً من عناصر التنمية والتنشيط الثقافي والسياحي، ليخلُص في ختام مداخلته بالقول إنَّ المهرجانات "أداة لسياسة ثقافية وتنموية شاملة تفتقر إلى رؤية تنموية مستدامة".

وانطلاقاً من تجربة "المهرجان المحلّي للمسرح المحترف" الذي يُقام في مدينة سيدي بلعبّاس، غرب الجزائر، تحدّث مدير التظاهرة السابق، حسن عسّوس، عمّا يُمكن لمهرجانٍ مسرحي أن يُحقّقه للمشهد المسرحي؛ إذ قال إنّ المهرجان خلق ديناميكيةً وحيويةً لدى الفرق المسرحية المحلّية في المدينة والجهة الغربية للبلاد، ودفع بكثيرٍ منها إلى إنتاج أعمال مسرحية بهدف المشاركة فيه.

الصورة
ندوة المهرجانات المسرحية الجزائرية - القسم الثقافي
(من الندوة)

واعتبر عسّوس أنَّ أهمية المهرجانات لا تكمُن فقط في المنافسة على جوائزها أو الحصول عليها، وإنما في الأجواء التي تُشيعها طيلة أيام تنظيمها؛ أي في النقاشات والتفاعُل والتحاوُر وتبادُل التجارب والخبرات بين المسرحيّين والجمهور أو بين المسرحيّين أنفسهم، وفي الجسور التي تمدُّها نحو النسيج الاجتماعي والجامعة والمؤسّسات التعليمية، مُشيراً أيضاً إلى دورٍ تقوم به بعض المهرجانات في كسر المركزية الثقافية؛ من خلال تقديم عروضٍ في المدن والقرى التي لا تصل إليها مثل هذه الفعاليات في العادة.

من جهته، تحدّث بوبكر سكيني، عضوُ لجنة تنظيم "المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي" في مدينة المْديّة، عن دور التظاهرة في "لمّ شمل ممارسي هذا النوع المسرحي"، لكنّه أشار أيضاً إلى الصعوبات التي تواجهها بسبب نقص التمويل الذي تُقدّمه لها وزارة الثقافية، والذي قال إنه "غير كافٍ لتغطية أعباء المهرجان".

انحصار تنظيمها على فضاءات محدودة وعدم تحقيق أبعادها الاقتصادية يجعها محلّ مساءلة

أمّا الأكاديمي حميد علاوي، فتطرَّق في مداخلته إلى كون المهرجانات فرصةً لتقييم المشهد المسرحي بشكلٍ دوري وأخذ فكرةٍ واضحة عمّا تُقدّمه الفرق والمسارح الجهوية في مناطق مختلفة من البلاد، إضافةً إلى أنّها تُشكّل سوقاً لعقد شراكات لإنتاج وتوزيع الأعمال المسرحية.

واعتبر علاوي، وهو أحد أعضاء لجنة تنظيم "المهرجان الوطني للمسرح المحترف"، أنَّ من الأهمية بمكان رعاية الثقافة من قبل الدولة، لكنه دعا أيضاً إلى إعادة النظر في طريقة تنظيم وتمويل المهرجانات الثقافية.

اختُتمت الندوة بمداخلة للناقد احمد شنيقي، والذي تحدّث عن "غياب مشروعٍ ثقافي حقيقي في الجزائر" وانعكاسه على المهرجانات المسرحية الجزائرية التي قال إنها لا تُقارَن بالمهرجانات المسرحية التي تُقام في بلدان كثيرةٍ من العالم. بحسب المتحدّث، فإنَّ انحصار المهرجانات في فضاءات محدودة وعدم تطبيق القوانين الخاصّة بتنظيم التظاهرات الثقافية وعدم الاهتمام بالسياحية والاقتصادية يجعل من تنظيمها محلّ مساءلة، مختتماً: ما الذي كسبناه من تنظيم هذه المهرجانات وما أثرها على المدينة؟

المساهمون