صحيحٌ أن الفعاليات الاحتفائية بمرور مئتي عام على فكّ رموز حجر رشيد قد بدأت منذ مطلع هذا العام، ولا سيّما عبر معارض وندوات أُقيمت في فرنسا وبريطانيا، إلّا أن هذه الفعاليات لم ترَ النور في مصر إلّا في الأيام القليلة الماضية، وذلك باعتبار أن عالم المصريات الفرنسي الذي فكّ رموز الحجر، جان فرانسوا شامبليون، لم يُعلن عن نتائج عمله وعمل فريقه إلّا في السابع والعشرين من أيلول/ سبتمبر 1822، وهو اليوم الذي بات يُعتبر موعداً لذكرى هذا الاكتشاف.
لهوذه المناسبة، ينظّم مركز دراسات الخطوط في "مكتبة الإسكندرية"، بالتعاون مع "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية" بالقاهرة و"متحف شامبليون" بمدينة فيجاك في فرنسا، مؤتمراً عِلمياً بعنوان "الهيروغليفية في القرن الحادي والعشرين"، ينطلق يوم الإثنين المقبل، العاشر من الشهر الجاري، ويستمر حتى الثالث عشر منه.
يُفتتح المؤتمر عند الرابعة من عصر الإثنين بمعرض في القاعة الشرقية بمبنى مركز المؤتمرات في المكتبة، وتُقدَّم فيه مجموعة من اللوحات المتعلّقة بفكّ رموز الكتابة الهيروغليفية، إلى جانب لوحات حول تاريخ الكتابة في مصر. كما يضمّ المعرض تقديم "معجم اللغة المصرية القديمة" للآثاري وعالم اللغويات المصري أحمد كمال باشا (1851 ــ 1923)، والذي يُعتبَر أوّل قاموس هيروغليفي مزدوج اللغة (فرنسي ـ عربي)، وهو المعجم الذي أهداه ورثة كمال باشا لـ"مكتبة الإسكندرية" من أجل حفظه وترميمه.
وتعقب المعرض محاضرة تقدّمها عالمة الآثار المصرية فايزة هيكل، تتحدّث فيها عن تأثُّر اللغة المصرية القديمة بالبيئة التي نشأت فيها، ودور هذا التفاعل في إثراء لغة المصريين القدماء وقدرتهم على التعبير عن أنفسهم، إضافة إلى توقّفها عند العلاقة بين اللغة المصرية القديمة واللغة العربية.
وفي التاسعة والنصف من صباح الثلاثاء، تنطلق أعمال الجلسات العِلمية للمؤتمر، بمشاركة باحثين من مصر وفرنسا والمملكة المتّحدة والنمسا وإسبانيا وغيرها، حيث يقدّم المشاركون أوراقاً تتناول الجوانب التاريخية واللغوية والتقنية في عملية فك الرموز الهيروغليفية.
ويتحدّث الباحث المصري عكاشة الدالي، صباح الثلاثاء، عن محاولات العلماء العرب لفهم الكتابة الهيروغليفية خلال العصر الوسيط، في حين يعرّج الباحث محمد عبد الغني على الدوافع وراء وجود ترجمة يونانية إلى جانب الأصل الهيروغليفي على حجر رشيد.
وتشمل جلسات اليوم التالي، الأربعاء، أوراقاً حول الكتابة في مصر القديمة، وعملية خطّ النصوص على البردي أو نقشها على الحجارة، إلى جانب محاضرات حول طريقة عمل الباحثين وعلماء المصريات، في أيامنا هذه، من أجل فهم تلك الكتابات وتمييز الأصليّ من الآثار المكتوبة من تلك التي قد تكون رُسمت من باب التقليد.
ويشهد اليوم الأخير من المؤتمر عدداً من الفعاليات التي تُقام على هامشه، مثل ورشة عمل تنظّمها "إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات" في "مكتبة الإسكندرية"، وتهدف إلى توضيح أهمّية استخدام التقنيات التكنولوجية والمعلوماتية الحديثة في تطوير علم المصريات وتسهيل البحث الأكاديمي فيه، في حين تُختتم الفعالية بزيارة للمشاركين إلى "قلعة قايتباي" في مدينة رشيد، وهي المكان الذي عُثر فيه على حجر رشيد عام 1799، خلال حملة نابليون على مصر.