بات عالم الاجتماعي البولندي الراحل، زيغمونت باومان (1925 - 2017)، أحد أكثر المفكرين المعاصرين حضوراً في الثقافة العربية بعد صدور سلسلة مؤلفاته حول مفهوم السيولة؛ ومنها "الثقافة السائلة" و"الحياة السائلة" و"الحب السائل". كما اشتهر كتابه "الحداثة والهولوكوست".
يبدو أن الالتفات العربي إلى منجز باومان متواصل؛ حيث صدرت مؤخراً ترجمة جديدة لأحد أعماله، كتاب "الموت والخلود واستراتيجيات الحياة الأخرى"، وهي ترجمة أنجزها محمود أحمد عبد الله وصدرت مؤخراً عن "دار شهريار" في العراق.
نقرأ في التقديم: "هذا الكتاب ليس دراسة في علم اجتماع الموت والاحتضار؛ وليس عن الطرق التي نتعامل بها مع من هم على وشك الموت وإحياء ذكرى من ماتوا بالفعل، ولا عن الطريقة التي نحزن بها على الحبيب ونتعامل مع عذاب الفجيعة، ولا الطقوس التي نبتكرها لمنع الموتى من الاختفاء من عالم العيش بسرعة كبيرة أو بلا أثر- وجعل اختفائهم غير مؤلم. كما أنه ليس دراسة للرؤية المتغيرة للموت: لصور الموت وعواقبه، سواء صورة "العالم الآخر" أو الفراغ الذي ينفتح بمجرد أن تغلق الحياة أبوابها، أو حول تلك العقلية الجماعية التي تشكل توجهاتنا صوب الموت، وتتشكل هي الأُخرى بها".
يشير التقديم إلى أن هدف الكتاب هو "الكشف عن وجود الموت (أي المعرفة الواعية أو المكبوتة عن الموت) في المؤسسات والطقوس والمعتقدات البشرية، التي تبدو في ظاهرها، بشكل صريح ومتعمد، في خدمة مهام ووظائف مختلفة تماماً، ولا علاقة لها بالانشغالات التي يتم فحصها عادةً في الدراسات المخصصة لتاريخ الموت والاحتضار".
ويضيف: "لا يمكن تصوّر الموت. يظل غير مرئي ولا يمكن تصويره. وكما نعلم من هوسرل، كل الإدراك مقصود؛ نشاط للذات الإدراكية، يتجاوز ذلك الموضوع، ويمسك شيئاً ما وراء الذات، ويدعو في الوقت نفسه إلى كونه "كائناً" ينتمي إلى عالم يمكن مشاركته من حيث المبدأ، ويرسّخ نفسه فيه".