"القرآن تحت مجهر التحليل النفسي": القارئ ومغامرات ألفة يوسف

17 مايو 2021
ألفة يوسف
+ الخط -

في 2007، صدر بالفرنسية كتاب "Le coran au risque de la psychanalyse" للباحثة التونسية ألفة يوسف. وبترجمة وليد أحمد الفرشيشي، صدرت منذ أيام النسخة العربية من الكتاب عن "دار مسكيلياني" تحت عنوان "القرآن تحت مجهر التحليل النفسي".

حين ننتبه إلى الفارق الدلالي بين العنوانين (تغيب في خيار العنوان العربي مضمرات مفردة risque: مخاطرة)، سنتساءل إن كان الأمر ممّا يقتضيه الانتقال من مقام مخاطبة القارئ الفرنسي إلى التحدّث إلى القارئ العربي، الأوّل هو - أغلب الظن - قليل معرفة بالقرآن، أمّا الثاني فهو عموماً في قطيعة (نفسية أو معرفية) مع التحليل النفسي. وإذا علمنا أنّ الكتاب هو من أحد وجوهه إعادة نظر في تأويلات القرآن من خلال مقاربته بأدواتٍ لم يعتمدها المفسّرون ــ وهو رهان تصفه المؤلفة بمحاولة "كشف حدود علوم التفسير" ــ ومن وجه آخر هو اختبار للجهاز المفاهيمي للتحليل النفسي في أرضية غير محروثة، وبعيدة عن ثقافته الأم، سنعرف أنّ القارئ الفرنسي والقارئ العربي مدعوّان إلى مغامرتين مختلفتين.

علينا أن نضع في الحسبان أيضاً مرور قرابة عقد ونصف بين الطبعتين. في طبعته الأولى، قدّم الكتاب أفق البحث الرئيسي لألفة يوسف، وهو تعدُّد المعنى في القرآن، موضوع أطروحتها الجامعية، فاستندت إلى معرفة دقيقة ومتينة لتُقدّم في كتابها إضاءة موسّعة على إشكاليات تأويل النص الديني ضمن البابين الأوّل والثاني، "التباس المعنى في القرآن" و"في البحث عن معنى القرآن المفقود"، ومن ثمّ تخوض "مغامرة" مساءلة القرآن بأداة التحليل النفسي ضمن ثيمات مثل المرأة والموت والغيرة والغرور والصلاة.

أمّا الطبعة العربية، فلنا أن نقرأها ضمن أفق تلقٍّ جديد، على ضوء آخر مؤلّفات يوسف؛ "وجه الله" (مسكيلياني، 2019)، حيث خاضت أيضاً في مواضيع شتّى، ذات أبعاد دينية واجتماعية وثقافية، مشيرة إلى أن عملها "نتيجة تجربة روحانية"، فتتناول هذه المواضيع بمفاهيم مثل السكينة والاطمئنان والحقّ والحبّ. وفي مقدّمة "القرآن تحت مجهر التحليل النفسي"، نقرأ أنّ أحد منطلقات مشروع هذا الكتاب هو المرور بـ"التجربة السريرية" للتحليل النفسي، وهي التجربة التي أتاحت لها أن تفهم أنّ علوم اللسانيات والتأويل الدلالي، وهي تخصّصاتها العِلمية "ليست سوى الأشجار التي تحجب الغابة" وفق تعبير المؤلفة.

وما الغابة إلّا شبكة الإشكاليات الكبرى التي تخترق ثقافتنا، نصوصاً وعلاقات وظواهر اجتماعية ومعرفية، وهي تحتاج منّا في كلّ مرة إلى منظور جديد لتمثّلها. هكذا، وعلى الرغم من كون يوسف لا تفرّط في البناء العلمي/ الحجاجي المتين، قد تركت أثراً ذاتياً في أعمالها هو سجلّ احتكاكاتها الفكرية بـ"غابة" الإشكاليات حولها، وما مسار الباحث/ة إلّا مجموعة تجارب تنعكس في مدوّنته المعرفية ولو أنكر بعضهم ذلك.

ألفة يوسف

بالعودة إلى مسائل كتاب "القرآن تحت مجهر التحليل النفسي" تتيح زوايا النظر التي اقترحتها الباحثة التونسية - بحسن تركيب أدوات العلوم اللسانية والتحليل النفسي - أن تضع موضع النقاش والتفكير عدداً من القضايا المحرجة، ممّا بقي مهملاً معرفياً أو مسيّجاً بالمحذورات، مثل: هل النساء ناقصات عقل ودين؟ لماذا خُلق آدم قبل حواء؟ لماذا لا يُورَّث اسم الأم؟ 

كثيراً ما ووجهت الأطروحات الفكرية للباحثة التونسية بصدامية وعنف. والمفارقة أنّ يوسف، في كلّ أعمالها البحثية، تختار أسلوباً يجمع بين البناء المنهجي والطراوة الأسلوبية (نجح المترجم في الحفاظ على روح أسلوب يوسف وهو يعبر بالنص من الفرنسية إلى العربية)، فكتاباتها أقرب إلى نقاشات ومساءلات منها إلى أبحاث بالمعنى الأكاديمي. معادلتُها خِفّةُ الأسلوب ومتانة الحجاج. هل في ذلك ما يثير؟ لعلّها خِفّة الباحث/ة التي لا تحتمل...

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون