تشكّل آثارُ الحضارات القديمة موضوعاً ذا دلالة فنّية، علاوةً على ما فيها من أهمّية تاريخية. إلى هذه الفكرة بالتحديد يلتفتُ معرض "الأردن: قصّة حضارة" الذي افتتحتهُ مؤسّسة "كتارا" بالدوحة في 26 أيار/ مايو، ويستمرّ حتّى الثامن من حزيران/ يونيو، حيثُ تُعرَض فيه 28 صورة فوتوغرافية.
يقام المعرض بالتعاون بين "كتارا" و"سفارة المملكة الأردنية الهاشمية" لدى قطر، و"وزارة السياحة" و"هيئة تنشيط السياحة" في الأردن. وممّا ورد في بيان المعرض: "إنّ الإنسان في الأردن القديم طوّع الصوّان وصنع منه أدواتِ الصيد والزراعة والحصاد، ثم علّم العالَم طريقة صناعة وطهي الطعام (الحضارة النطوفية)، وطحنَ القمح لخَبزِ أوّل رغيف في موقع شبيكة".
وإشارة البيان إلى الحضارة النطوفية التي كانت قبل عشرة آلاف عام قبل الميلاد، من الدّقة التاريخية بمكان، إذ عمّت هذه الحضارة بلاد الشام، ووصلت آثارها حدود نهرَي النيل والفرات، وسُمّيت بهذا الاسم على يد باحثة بريطانية عام 1929، نسبة إلى وادي النطوف شمال غربي القدس.
أمّا رغيف خبز شبيكة، فقد اكتشفه فريق بحثي هولندي بريطاني مشترك عام 2018 في شمال شرقيّ الأردن، وهو يعود إلى 14,400 سنة، بينما كان أقدم رغيف مُكتشَف مسجّلاً قبل 9 آلاف سنة في تركيا.
كما عرضت صورة من المعرض نموذجاً للتماثيل الجصّية الشهيرة، والتي عُثر عليها في عين غزال شمال العاصمة الأردنية، ويبلغ عددها 15 تمثالاً تعود إلى عشرة آلاف سنة، أي إلى ما يُسمّى العصر الحجري الحديث قبل الفخّاري، وهي أوّل التماثيل الجصّية التي صنعها الإنسان بالحجم الطبيعي في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، قُدّمت صورة من آثار رسوم جِدارية على ضفاف نهر الأردن، في تليلات الغسول تحديداً، حيث ظهرت واحدة من أقدم الرسوم الجدارية الغنيّة بالألوان مثالاً وشاهداً على نشأة الفنون، ضمن ما يُعرف بالحقبة الغسولينية (أو الغسولية) التي تعود إلى أواسط العصر النحاسي في جنوب بلاد الشام.
ومن العصور القديمة، يمرّ المعرض على أبرز معالم التراث التي ما زالت ماثلة، ومنها اليونانية والرومانية: في أماكن عديدة من العاصمة عمّان إلى جرش وأم قيس؛ والنبطية: في البتراء؛ والرومانية والعربية الإسلامية: من قلاع عجلون وقصور الصحراء الأُموية.
وقال باسم محاميد، مدير المتاحف في "إدارة الآثار الأردنية"، في بيان "كتارا"، إن "المعرض يضمّ كنزاً من الصور الفوتوغرافية تُعرَض للمرّة الأولى"، وإنه يُبرز "أهمّ المساهمات من عصور ما قبل التاريخ وحتّى العصر الحديث، بدءاً بالحضارة النطوفية وأهم موقع في العصر الحجري الحديث قبل الفخّاري، ومن ثم العصر البرونزي المبكّر من خلال أوّل سدّ مائي متكامل".
تنتهي الجولة في المعرض مع صورة للبيوت التراثية في مدينة السّلْط شمال غرب عمّان، وهي أحياء سكنية بُنيت منذ القرن 19 وما زالت مسكونة، ما جعل "منظمة اليونسكو" تُدرجها ضمن لائحتها للتراث العالمي.