لطالما كان تاريخ الرأسمالية في مصر مرادفًا لزراعة القطن. من هذا المنظور، فإن الاحتلال البريطاني عام 1882 حسم مصير البلاد كمزرعة شاسعة لمصانع النسيج الأوروبية. وقصة ظهور مصر كمختبر استعماري للاستثمار المالي والتجريب ليست غامضة ولا مجهولة، ولكن كتاب "احتلال مصر: الاقتصاد الاستعماري وأزمات الرأسمالية" الذي صدر مؤخراً يروي بحسب الناشر، جامعة سانفورد، لأول مرة قصة التوسع المالي والأزمات المدمرة التي أعقبته بطريقة مغايرة.
يقدم الباحث آرون جيكس، أستاذ التاريخ في "ذا نيو سكول" إعادة تفسير شاملة لكل من الجغرافيا التاريخية للرأسمالية في مصر ودور الفكر السياسي والاقتصادي في الصراعات التي اندلعت حول الاحتلال.
يتتبع المؤلف التداعيات المعقدة والإرث المتنازع عليه للاقتصاد الاستعماري، ونظرية الحكم الإمبراطوري البريطاني التي جعلت المصريين قادرين على الاعتراف فقط بمصالحهم الاقتصادية المجردة. حتى عندما ادعى المسؤولون البريطانيون أن "التنمية الاقتصادية" وتكاثر المؤسسات المالية الجديدة سيكونان حاسمين للشرعية السياسية للاحتلال، فقد قدم القوميون المصريون الأوائل نقدهم حول مسألتي الانتعاش والانكماش.
يوضح جيكس أن هؤلاء المفكرون المصريون قدموا مجموعة من التأملات المعقدة والمثيرة للقلق حول التناقضات الأعمق للرأسمالية والمعنى الحقيقي للحرية في العالم الرأسمالي.
يأتي الكتاب في ثمانية فصول تتناول عدة محاور من بينها؛ الاقتصاد الاستعماري، البنى التحتية للاحتلال، نقابات التعبئة الجماهيرية، بنجاب على النيل، الاحتلال المادي، الاقتصاد العسكري.
في المقدمة يقول الكاتب "كان اللورد كرومر راويًا لا يُقهر لماضي مصر وحاضرها ومستقبلها. خلال ربع قرن من عمله كوكيل وقنصل عام لبريطانيا العظمى في القاهرة ، مارس سيطرة دقيقة على الرواية الرسمية للنظام الغريب الذي كلف بالإشراف عليه. لسحق حركة السيادة المالية والحكم الدستوري التي تشكلت في عهد الضابط العسكري المصري أحمد عرابي باشا".
قدم القوميون المصريون الأوائل نقدهم حول مسألتي الانتعاش والانكماش والمؤسسات المالية البريطانية
ويكمل "كان الوضع القانوني للاحتلال الذي أعقب ذلك غامضًا في أحسن الأحوال. رسميًا ، ظلت مصر إقليمًا شبه مستقل للإمبراطورية العثمانية، يحكمها السلطان الخديوي ومجلس وزرائه. وبدعم من التهديد المقيم لقواتهم المتمركزة في وسط القاهرة، مارس طاقم بريطاني صغير سيطرة فعالة على سياسة الحكومة بصفتهم "مستشارين" للوزارات المختلفة".
يتابع: "أدرك كرومر أن قضية هذه "الحماية المحجبة" سوف تستند إلى النتائج التي يمكن أن تحققها. من اللحظة التي أصبح فيها القنصل العام حتى سنواته الأخيرة في إنجلترا، كان أمينًا دؤوبًا على الصورة العامة للاحتلال. كان مهووسًا بالتقارير السنوية التي عرضت "تقدم الإصلاحات". فقد منع مرؤوسيه من التعبير عن خلافاتهم مع سياساته . بعد مغادرة مصر في عام 1907، أمر موظفي القنصلية البريطانية في القاهرة بحرق أوراقه. وعند عودته إلى إنجلترا ، شرع في نشر المجلدات التي من شأنها أن تشكل روايته الرسمية لإنجازات الاحتلال".