في الخامس عشر من آب/ أغسطس عام 1947، خرج جيش الاستعمار البريطاني من شبه القارّة الهندية بعد تقسيمها إلى مناطق ذات أغلبية مسلمة وأُخرى ذات أغلبية هندوسية، تاركاً وراءه أزمات لم يُحلّ بعضها إلى اليوم، منها نزوح حوالي عشرين مليون نسمة بين الدولتين الناشئتين، والعنف الذي نشأ إثر ذلك واستمرّ مع الخلاف المتواصل حول ترسيم الحدود وولاية كشمير.
قام البريطانيون بالفعل نفسه في مناطق مختلفة من العالم، حيث نشب النزاع بين أوغندا وتنزانيا قبل خمسين سنة، نتيجة مشاكل ترسيم الحدود بين البلدين قبل الحرب العالمية الأولى، وتسبّبت بنزاعات لاحقة وتهجير آلاف الأوغنديين من أصل هندي كانوا يسكنون في تلك المنطقة الحدودية.
ركّز المشاركون على معنى "الوطن" في سياقات ما بعد استعمارية
حتى الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، يتواصل معرض "أين الوطن؟" في "متحف وغاليري الفنون" في مدينة ليستر البريطانية، والذي افتتح في الثاني من الشهر الماضي، ويضيء تجربة الهجرة من الهند لباكستان وأوغندا إلى المملكة المتّحدة في ظروف معقّدة.
يتضمّن المعرض مجموعة من الوثائق التي توضّح الجدول الزمني لرحلة المهاجرين من أوطانهم التي لن يعودوا إليها، والمتعلّقات الشخصية، وأعمالاً لعدد من الفنانين هم: النور ميثا، وأماني ميثا، وجاي تشوهان، وجاسمير كريد، وصايمة رشيد، وجون ليونز. وعلى هامش المعرض، يُعقَد عددٌ من الجلسات النقاشية في مدن ليستر وولفرهامبتون وبرمنغهام ومانشستر ولندن.
يضيء المعرض التحوّلات الثقافية المزلزلة في حياة هؤلاء الناس، وكيف يستكشفون جذورهم بعد مرور عشرات السنوات على مغادرة المنزل، حيث تقدّم شخصيات عديدة شهادتها الشخصية في فيلم وثائقي يبدأ بلحظة الانفصال عن الوطن، وينتهي بتشكيل مجتمعات جديدة في المهجر.
ركّز المشاركون في المشروع الذي يحمل عنوان المعرض نفسه، ممّن ينتمون إلى الجيلَين الأوّل والثاني من المهاجرين، على معنى "الوطن" بالنسبة إليهم في سياقات ما بعد استعمارية؛ حيث اضطرّوا للتخلّي عنه في مرحلة كانوا لا يزالون تحت حكم المستعمِر ولجأوا إلى بلده.
تغيب عن المعرض مراجعة البريطانيين أنفسهم لماضيهم الاستعماري
ماذا حمل المهاجر معه في رحلته، جواز السفر، سجّادة الصلاة، صوراً شخصية، تذكارات رمزية تعرّف بأصوله وثقافته؟ سؤال بسيط لكنّ أجوبته بالتأكيد معقّدة، بحسب الفنانة النور ميثا التي وُلدت في أوغندا وأُجبرت على مغادرتها نتيجة إحساسها بالعنصرية، والتي ستظلّ تلاحقها في بريطانيا أيضاً.
يشير المنظّمون إلى التاريخ المعقّد لبريطانيا من خلال أصوات فنّانين من جنوب آسيا وشرق أفريقيا، لكن تغيب عن المعرض مراجعة البريطانيّين أنفسهم لماضيهم الاستعماري الذي أدّى إلى كوارث لم تُمح آثارها حتى اليوم، كما يوضّح الأكاديمي الهندي البريطاني فيمال باتيل ضمن مشاركته في المشروع، حيث يروى قصّة الهجرة من منظور آخر يعود إلى إلغاء العبودية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وذهاب العمّال الهنود للعمل في بريطانيا ومستعمراتها، لكنهم لم ينالوا حقوقهم كاملة حتى اليوم.
لا يغفل المعرض تأثير الهجرة وتداعياتها السلبية على الأجيال المقبلة من المهاجرين، لعلّ تساؤل "أين الوطن؟" يأخذ مساراً مختلفاً عن آبائهم وأجدادهم. يختفي البيت من الواقع لأنّ الحدود التي رسمها المستعمِر ألغت معنى العيش فيه، وجعلته مجرّد صور وأعمال فنية وذكريات معلّقة على جدار في متحف.