في الذكرى الخمسين لرحيل الروائية والكاتبة النسوية التركية سعاد درويش (1903 - 1972)، تشهد إسطنبول العديد من الفعاليات حول مساهماتها الكبيرة في تحرير المرأة التركية وتسليط الضوء على أعمالها الروائية. ومن أبرز هذه الفعاليات معرض "أنا الكاتبة سعاد درويش"، المستمرّ حتى نهاية أيلول/ سبتمبر الجاري (افتُتح مطلع الشهر) في "الممرّ الأوروبي" بحيّ باي أوغلو التاريخي، بتنظيم من مركز "سانات كريتيك" ودعم من منشورات "إيتهاكي".
يتناول المعرض جميع أعمال الكاتبة والصحافية التركية اعتماداً على قصة حياتها، بهدف تعريف الزوّار بأعمال الكاتبة التي تعرّضت للإهمال على مدار عقود، والمضايقات العديدة التي عاشتها خلال مسيرتها، التي بدأت بنشر المقالات الصحافية منذ عام 1920، وتلتها أولى رواياتها في العام التالي بعنوان "الكتاب الأسود"، مروراً بتعرّضها للمحاكمة بتهمة إهانة الدين في مقال نشرته عام 1927.
يُشير عنوان المعرض منذ الوهلة الأولى إلى الدور الذي أدركته سعاد درويش جيّداً: أن تحيا ككاتبة في المقام الأول، في ظل ظروف اجتماعية لم تكن تسمح للمرأة بذلك. ويقدّم المعرض سيرة أخرى للكاتبة اعتماداً على مصادر جديدة. فمن المعروف في الأوساط الثقافية التركية أن أعمال سعاد درويش ظلّت مهملة لعقود طويلة وبعضها لم يُجمع في كتاب، حتى قام الباحث التركي سردار صويدان في السنوات الأخيرة بجمعها وتحريرها وتقديمها بعناية فائقة. وقد تمّ إعداد هذا المعرض بدعم من الكاتبة والأكاديمية سيفال شاهين وتنظيم إيدا يِيِّت، بناءً على بحث مفصّل قام به صويدان.
يسلّط الضوء على بطلات روايات سعاد درويش القويّات مثلها
يضمّ المعرض أبرز اللوحات التي رسمها بعض الفنانين لسعاد درويش، مثل أمين جيليك، وديريا أولكر، وأشرف يلدريم، وفيجن أيدنتاشباش، والتي تتنوّع بين الصور الزيتية والرسم بالفحم والصور التي تعتمد على تقنية الرسم على الزجاج. كما يتوقّف المعرض عند أبرز المحطّات والمغامرات الحياتية التي عاشتها درويش كامرأة شرقية قوية قياساً بالعصر الذي عاشت فيه، حيث أكملت تعليمها في ألمانيا، وعملت كأول مراسلة صحافية تركية من أوروبا.
يسلّط المعرض الضوء أيضاً على بطلات روايات سعاد درويش القويّات مثلها تماماً، إلى جانب الإشارة إلى الضغوط الاجتماعية التي تعرّضنَ لها ومواجهتهنّ لها بشجاعة. بالإضافة إلى عرض لأبرز المقابلات الصحافية التي قامت بها صاحبة رواية "ذكريات آغا الحرملك" بعد عودتها إلى إسطنبول في الثلاثينيات، وأجرتها مع الناس في الشوارع حول موضوعات لم يسبق التعرّض لها من قبل، مثل أوضاع الأهالي الاجتماعية والاقتصادية، والمقارنة بين الحياة في ظلّ الماضي والحاضر وفي ظل التغيّرات التي شهدتها تركيا.
كما يتناول المعرض فترات التضييق على سعاد درويش بسبب انتمائها اليساري، ودورها في تأسيس رابطة "الكيان النسائي" في ثلاثينيات القرن الماضي، وانتهاءً بتعرّضها للنفي، حيث عاشت لعدة سنوات في باريس، استمرّت خلالها في الكتابة باسم مستعار في الصحف التركية، وقد أجرت خلال تلك الفترة العديد من الحوارات مع شخصيات نسائية فاعلة من بلدان مختلفة، حيث يجري تقديم كلّ تلك اللقاءات في المعرض.
جدير بالذكر أن المعرض يتيح للزوّار كتابة رسالة مفتوحة إلى سعاد درويش، باستخدام الآلة الكاتبة الموجودة في قاعته. وممّا ورد في البيان الصحافي للمعرض: "هذا المعرض ليس فقط مساهمة صغيرة في الجهود المبذولة منذ التسعينيات لإعادة القيمة التي تستحقها سعاد درويش، لكنّه يسلط الضوء أيضاً على أن قلمها، وكتاباتها، لا يمكن أن تبهت بمرور الوقت".