خلال سنوات الثورة السورية، عرفت مفردة "أرشيف" تغيُّراً في دلالتها، حيث صارت تُشير بشكل أساسيّ إلى توثيق مجريات الثورة نفسها، والمنتجات التي رافقتها، ولا سيما الأعمال الفنّية التي كانت، وما زالت حتى اليوم، التعبير الإبداعيّ الأغزر والأكثر حضوراً بين الإبداعات السورية منذ 2011.
تحوُّلٌ يمكن فهْمه بالحاجة إلى تأريخ الحاضر، وهي حاجةٌ ماسّة لدى شعبٍ عرف، خلال عقود، محواً مستمرّاً لتاريخه وتاريخ فنونه، التي تولّى النظام إحلال سرديّته الخاصّة محلّها. كما يُمكن فهْمُ ذلك بعدم قدرة المشتغلين في الأرشفة على الوصول إلى مواد سابقة على الثورة، بسبب اضطرار أغلبهم إلى الخروج من البلد تحت قمع النظام وضغوطاته وملاحقاته.
بإطلاقه، أمس الثلاثاء، الجزء الأوّل من مشروع "أرشيف الفنّ السوري"، تأتي "غاليري أتاسي" ليسدّ جزءاً من هذه الفجوة، فجوة توفُّر آثاراً للأعمال والحياة الفنّية التي عرفتها سورية قبل الثورة، أو على الأقلّ لنحو عقدين منها، هُما العقدان اللذان نشطت خلالهما الغاليري في دمشق (1993 ــ 2010).
ورغم أن المشروع يُمثّل مبادرة من جهةٍ خاصّة واحدة، لا من مجموعة من الجهات، إلّا أنه يعطي صورةً واسعة نسبياً عن المعارض التشكيلية والحراك الذي كانت تشهده دمشق في العقدين اللذين سبقا الثورة، حيث توفّر "غاليري أتاسي" على الموقع الخاصّ بالمشروع صوراً عن المنشورات والكتيّبات والنصوص التقديمية التي رافقت معارضها العديدة، إلى جانب صور للأعمال المعروضة، وحفلات افتتاح المعارض، ونصوص نقدية نُشرت حول تلك المعارض في اليوميات أو الدوريات السورية والعربية.
ويشمل القسم الأوّل من الأرشيف توثيقاً لمستندات وصور 48 معرضاً، بدءاً من ذلك الجماعيّ الذي افتُتحت به "غاليري أتاسي" في أيلول/ سبتمبر 1993، والذي ضمّ أعمالاً للعديد من الفنانين السوريين، مثل فاتح المدرّس، ولؤي كيّالي، ومحمود حمّاد، وصولاً إلى معرضَيْ أسعد عرابي (تشرين الأول/ أكتوبر 1999) وهيرناني اسكوبار (تشرين الثاني/ نوفمبر 1999). أمّا القسم الثاني، الذي لم تُعلن الغاليري بعد عن تاريخ إطلاقه، فمن المنتظر أن يضمّ أرشيف 53 معرضاً أُقيمت فيه بين عامَيْ 2000 و2010.
وتعطي محتويات الأرشيف صورةً عن تجارب العديد من الفنانين السوريين في نهايات القرن الماضي، مثل مروان قصاب باشي، وعبد الله مراد، وفاتح المدرس، ولؤي كيالي، ونذير إسماعيل، ويوسف عبدلكي، وزياد دلّول، وصفوان داحول، وغيرهم؛ كما تضع بين يديّ الزوّار آثاراً عن اشتغالات تشكيليين ونحّاتين حظوا بأضواء أقلّ، مثل غياث الأخرس، ورضا حسحس، وعبد الحميد عبد الله، وفؤاد أبو سعدة ومحمد طليمات.
وإلى جانب الفنانين السوريين، يوفّر الأرشيف موادَّ تتعلّق بمعارض لفنانين عرب استضافتهم "غاليري أتاسي" في دمشق، ومن أبرزهم اللبناني حسين ماضي، الذي أُقيم معرضه عام 1993، وكمال بُلّاطة (1994)، وجبر علوان (1999).