إدريس أبركان.. أين تقف الراديكالية في "عصر المعرفة"؟

18 سبتمبر 2018
(إدريس أبركان)
+ الخط -

رغم أن كتاب "عصر المعرفة" ليس سوى الإصدار الثاني للباحث الجزائري الفرنسي إدريس أبركان (1986)، إلا أن القارئ، ومتابع الساحة الثقافية الفرنسية بشكل عام، يشعر وكأن مؤلفه من ثوابت المشهد. يأتي ذلك بسبب ما حظي به كتابه الأول؛ "حرّر عقلك" (2017) حيث كان على قائمة الكتب الفكرية الأكثر مبيعاً لفترة طويلة، وحظي إلى حد الآن بأربع طبعات منها واحدة في شكل كتاب جيب، وباتت صورة المؤلف تظهر في أغلفة الطبعات الجديدة. دون أن ننسى حضوره المكثّف في البرامج التلفزية والإذاعية وفي الدوائر الأكاديمية عبر المحاضرات والندوات.

بشكل ما، يمكننا الحديث اليوم عن "نجومية" سريعة حققها أبركان. ولو بحثنا عن أسماء في نفس الساحة الفرنسية حظيت بنفس هذا الاحتفاء، سنجد أن أقرب مثال سيكون... ليلى سليماني (1981) في الرواية، وهي الأخرى من أصول عربية. فهل هي الصدفة؟ أم يوجد تنشّط للأصول العربية في المجال الثقافي الفرنسي؟

أُطلق العمل الجديد - بكل ثقة - مع بداية موسم الدخول الأدبي، رغم أن الكتابات الفكرية كثيراً ما تحاول تحاشي دخول سباق يكاد يكون خاسراً مع الرواية. وهنا نذكر أن كتابه الأول قد صدر في شباط/ فبراير أي بعيداً عن دُفعة الدخول الأدبي، وربما استفاد من ذلك لأنه وجد فرصة مقروئية عالية.

ينطلق الكتاب الجديد من فكرة طريفة، فمقابل المثل المعروف الذي يقول بأن "الجهل البشري لا نهائي"، يشير أبركان إلى أن المعرفة هي الأخرى لانهائية، وهذه خصوصية ينبغي أن تلتفت لها "المنظومة"، المعرفية بشكل عام، والتعليمية بشكل خاص، وهو يثبت ذلك من خلال علم الاقتصاد حيث يشير إلى أنه لا يزال قائماً على المحروقات رغم أنها مواد أولية في طريق النضوب، في حين يترفّع علم الاقتصاد عن أن تكون المعرفة أحد محرّكاته، بخصوصيتها كمادة أولية متجددة أي غير قابلة للنضوب.

وإذا كان مصطلح "اقتصاد المعرفة" متداولاً منذ عقدين على الأقل قبل إصدار هذا الكتاب، فإن أبركان يرى أنه ينبغي تحويله إلى طاقة ثورية تؤدّي إلى بناء منظومات جديدة في قطيعة مع منطق الثورة الصناعية خصوصاً وأنه يعتبر أن كل شيء في العالم قد استنسخ نموذج المصنع، من المدارس إلى مختلف خدمات الدولة، وطبعاً يعرّج بنا المؤلف عند إشكاليات المسألة البيئية والتي تعاني هي الأخرى، ضمن الاقتصاد التقليدي، من المنطق الصناعي بحيث تكون البيئة في خدمة الإنسان في حين أنه أولى أن يكون في خدمتها، وتلك حكمة عرفها الإنسان القديم وفرّط فيها المعاصر.

بهذه الأفكار الراديكالية، قدّم أبركان نفسه للقارئ الفرنسي. لكن مع طرحه الثوري والنقدي، للاقتصاد والتعليم والحياة السياسية، لا نعثر على طرح مشابه لعنصر آخر من المنظومة؛ ونعني الإعلام بشقه المؤسساتي أو الافتراضي. هل يعتبر أبركان نفسه من البداية جزءاً من "المنظومة الإعلامية"، أم هل يشعر أن راديكاليةً موجّهة لوسائل الإعلام ستعيق جماهيريته فلا تصنع أفكاره "الثورة" المنشودة؟

المساهمون