عن صدور كتاب "الجيش والسياسة" لـ عزمي بشارة

21 مايو 2017
من ميدان التحرير، 2013، تصوير: خالد الدسوقي
+ الخط -

بحكم معادلات السلطة في أكثر من بلد عربي، ظل الحديث عن الجيوش أشبه بتابو سواء على مستوى التداول العام في الإعلام والشارع، أو على المستوى البحثي. في عمله الصادر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يقارب المفكر العربي عزمي بشارة المسألة العسكرية بخصائصها العربية، معتبراً أن الجيش يمثّل التجسيد الحقيقي للدولة، وبالتالي فإن متغيّراته تنعكس على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية.

إذا كانت أعمال سابقة لـ بشارة مثل "المجتمع المدني.. دراسة نقدية" و"مقالة في الحرية" و"الدين والعلمانية في سياق تاريخي" تدرس مفاهيم لها أثرها البارز في تحريك الحياة العامة العربية، حيث كانت معالجته ضمن "تاريخ الأفكار" بالأساس، فإنه في كتابه الجديد يتخذ نهجاً جديداً من خلال الذهاب إلى "تاريخ المؤسسات"، وهو ما يتكامل مع الأعمال السابقة في فهم مسارات تطوّر التاريخ العربي الحديث، خصوصاً أنه تاريخ تضمّن الكثير من الحروب والانقلابات والثورات وهي جميعها محطات كان للجيوش دورها البارز فيها.

من خلال "مسألة الانقلابات العسكرية"، يقترب بشارة من الجانب التطبيقي بحيثياته العربية، حين يتساءل عن توقّف الانقلابات في العقود الأخيرة في دول عُدّت بلدانَ انقلاباتٍ، مثل سورية والعراق.

هنا يقابل بين الانقلاب والثورة، ويقول: "من ناحية الديمقراطية والتحوّل الديمقراطي، لم يثبت أنّ الثورة الشعبية أكثر كفاءةً للوصول بمجتمع ما نحو الديمقراطية، من الإصلاحات من أعلى، سواء أقامت بها قيادة عسكرية بعد انقلاب أم قيادة سياسية، أم كلتاهما سويّةً. فالثورات من زاوية نظر الديمقراطية مخاطرة كبرى يمكن أن تقود إلى فوضى أو إلى أنظمة شمولية، وحتى إذا انتهى بها المطاف إلى الديمقراطية، فهذه لا تتولد من الثورة مباشرةً، بل بعد سلسلة إصلاحات دستورية وقانونية وحوارات ومساومات سياسية تتلوها. الثورة تغيّر النظام، وهذا لا يغني عن دور الإصلاح في بناء الديمقراطية بعد تسلّم السلطة".

يضمّ العمل في مجمله ثلاثة فصول، الأول يحمل عنوان "الجيش والحكم عربياً: إشكاليات نظرية"، أما الثاني فهو بعنوان "فشل بوتقة الصهر العسكرية وبروز الولاءات ما قبل الوطنية في الجيش - الحالة السورية"، فيما عُنون الفصل الأخير بـ "تحوّلات الجيش المصري".

يطرح العمل خريطةً للصراعات الحزبية والأيديولوجية التي تتخلّل الولاء العسكري، والرهانات الدولية على الجيش ودوره في السياسة. من هنا يمحّص صاحب كتاب "ثورة مصر" مقولة أن الجيش بعيد عن السياسة، فبالنسبة له لا يقوم الضباط بانقلاب من أجل أن يحكم آخرون، هكذا يفنّد وَهْم قوًى سياسية واجتماعية في البلدان العربية كثيراً ما تروّج إلى أن الضباط يقومون بانقلاب في خدمتها.

يقول: "لا تحوِّل الثياب المدنية الحكم إلى مدني فعلاً. فالحاكم يحكم غالباً بلغة الأوامر التي تصبح قوانين، كما لا يقبل بوجود أيّ معارضة؛ إذ يَعتبر أيّ اعتراض عليه موقفاً من الوطن والدولة. وهذا أصل تخوين المعارضات لهذا النوع من الأنظمة".

انطلاقاً من هذه العدّة النظرية يقارب بشارة نموذجين أساسيين في ما يتعلّق بالجيوش العربية: سورية ومصر، وهما بلدان لا يزالان يعيشان منعطفات حادة يلعب فيها الجيش أدواراً بارزة، يحتاج فهمها عودة إلى سياقات تشكّله وكيفية بناء علاقاته وامتداداته وتفاعله مع مراكز قوى أخرى في البلاد، ودراسة موقعه في المحطات الأساسية التي مرّ بها.

يتقاطع نموذجا الجيش المصري أو السوري في نقاط عديدة مع بلدان عربية أخرى، من العراق إلى المغرب؛ بلدان لا تزال عملية كتابة تاريخها السياسي تعزل عنصراً فاعلاً في صناعة معظم الأحداث التي عاشتها.

المساهمون