ميهاي بابيتش.. عالم زائف آخر

09 ديسمبر 2014
ميهاي بابيتش في بورتريه لريبل روناي
+ الخط -


تقدّم رواية "ابن الراهب" للكاتب والشاعر المجري ميهاي بابيتش (1883-1941)، التي صدرت ترجمتها العربية حديثاً عن "دار نون"، عالمين متناقضين، يشتبكان في صراع وجودي يرتكز على مدى القدرة على البقاء في مواجهة الآخر. عالم محافظ صارم يدعو إلى اليقين المطلق ويتمثل في عالم الكنيسة، في مقابل عالم آخر ليبرالي أكثر تحرراً، لكنه أكثر زيفاً.

وسيتجلّى هذا الصراع من خلال الفتى بشتا فاغنر، مجهول الأب، الذي ستموت والدته فيتكفل به أستاذه في المدرسة التابعة للرهبان، القس فيرجيل تيمار، الذي سيودعه لدى عائلة صديقه، على أن يقوم الفتى بزيارته أيام الآحاد. ونظراً إلى حواراتهما المليئة بالنقاشات وقراءات الكتب والأشعار، تتطور العلاقة بينهما وتصل حداً يرغب فيه الراهب أن يصبح الفتى ابناً له.

غير أن الأخير سيخيّب أمل أستاذه المقتنع بحياة التقشّف، بسبب طرحه أسئلة كثيرة وتطرّقه إلى كتب محرّمة في المدارس الدينية، مثل كتاب الصحافي فيلموش فيتاني الذي يطرح أفكاراً متحررة ومتشككة، بأسلوب المقالات الصحافية البسيطة، ومع ذلك استطاعت أن تثير الجدل وتجلب الشهرة لصاحبها.

ومع أن القس كاد ينجح في كسب ثقة الفتى فاغنر، فيبدأان في تحضير نفسيهما لرحلة دراسية إلى إيطاليا، إلا أن فيلموش فيتاني، الذي تخلّى عن هويته اليهودية، ويدعو إلى أفكار ليبرالية وماسونية، يعاود الظهور، ليكشف أنه الأب المجهول للفتى. عندها، يدخل الأخير في متاهة الاختيار بين القس الذي ربّاه ووالده الحقيقي الذي سيأخذه إلى عالمه المزيف، حيث الكثير من المغريات التي يحلم بها: أضواء العاصمة والشهرة والمال؛ فيختار عالم والده وينضم إلى فئة التخلي.

تكمن أهمية الرواية، التي قام بتعريبها ثائر صالح، في ثلاث نقاط: الأولى، أنّ الكاتب بابيتش يطرح الصراع، في روايته الصادرة عام 1921، كإدانة للطريق الذي كانت تسلكه أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى. وكأنه يجعل من اختيار الفتى فاغنر الطريق الليبرالية المتحررة، تحرراً سيخلع عن أوروبا هويتها.

وتكمن النقطة الثانية في البعد السيكولوجي. فإذا كان سيغموند فرويد قد استثمر نصوصاً روائية لإثبات نظرياته وتحليلاته، فإن عمل بابيتش يعدّ من الروايات الأولى التي بدأت بتوظيف الأفكار التي توصّل إليها فرويد. وإن بدا طرحه لهذه الأفكار مباشراً، وكأنه ينقلها حرفياً. أما النقطة الثالثة فتتمثّل في ترك الكاتب خيوط الرواية تُحبك وتتشكّل وحدها من دون تدخل مباشر من قبله لفرض رؤيته.

المساهمون