خالد حسيني يؤنسن التخلّي

31 أكتوبر 2014
(تصوير باتريك تيهان)
+ الخط -

عندما ننتهي من قراءة رواية الأفغاني خالد حسيني الأخيرة، "وردّدت الجبال الصدى" (ترجمة يارا البرازي)، نحتاج فترة من الزمن كي نستوعب الرسالة التي يسعى الكاتب إلى توجيهها للقارئ. فبينما يتنقّل بشخوصه بين عدة بلدان (أفغانستان، فرنسا، أميركا، اليونان)، تبقى المأساة الأفغانية حاضرة على طول الرواية، ويعمد حسيني فيها إلى مقاربة مشاعر الإنسان المهزوم من خلال فكرة "التخلي".

في الرواية شخصيات كثيرة من هذا النوع، لكن الكاتب لا يدينها ولا يوجّه اللوم إليها، بل، على العكس تماماً، نجده يتقدّم ليشرح سلوكها من الداخل ويحلّل دوافعها وأدق مشاعرها، ما يضع القارئ في حالة إشفاق وتعاطف مع المتخلّي والمتخلى عنه على السواء.

ففي بداية العمل، سنتعرّف إلى الأب سابور الذي يحكي لطفليه (عبد الله وباري) حكاية بابا أيوب الذي يتخلى عن أعز أطفاله، ويلقيه للوحش كي ينقذ بقية أفراد العائلة. وفي صباح اليوم التالي، يذهب سابور إلى كابول ليبيع ابنته باري إلى عائلة برجوازية كي ينقذ عائلته من وحش الفقر.

وفي هذه العائلة البرجوازية، تأخذ الزوجة نيلا وحداتي (وهي شاعرة متمردة) ابنتها بالتبنّي، باري، وتغادر معها إلى فرنسا، تاركةً زوجها المصاب بالشلل وحده. وقبل ذلك، تتخلى بروانة عن أختها المشلولة معصومة، وتتركها تموت في الغابة، كي تعيش هي حياتها وتتزوّج من سابور.

ولا يقف مسلسل التخلي عند هذا الحد، إذ ستتخلى باري أيضاً عن أمها نيلا وترتبط بجوليان (عشيق والدتها السابق)، فتُترك الأخيرة لتواجه مصيرها بالانتحار. كما ستطغى على الطبيب اليوناني ماركوس، الذي يجري عمليات التجميل لجرحى الحرب في كابول، رغبة التخلي عن أمه التي تركها في اليونان برفقة تاليا، الشابة التي تخلّت عنها أمها مادلين، لتطارد عشّاقها وحلمها في التمثيل في أثينا. وبدوره، سيتخلى الطبيب الأفغاني المهاجر إدريس عن تعهُّده بنقل الطفلة المشوّهة روشي إلى أميركا للعلاج، فور مغادرة بلده.

باختصار، تضعنا الرواية في مواجهة مع فكرة "أنسنة التخلّي". ومع أن لا جدل في كون التخلّي في طبيعة الإنسان، إلا أن تسيير هذا الكم من الحكايات حول هذا الموضوع، في رواية واحدة، يجعلنا نتساءل عن سبب إصرار حسيني على ذلك. إصرارٌ يدفعه إلى لَي عنق النص من أجل توجيهه في مسار واحد.

هذا ما يقودنا إلى إشكاليتين في الرواية؛ الأولى، فنية، تتعلّق بإفلات خيوط السرد من الكاتب، لفيضه عن غايته في أكثر من موضع؛ إذ يستدخل الروائي شخصيات وأحداثاً، ويستفيض في تحليلها، من دون مبرر يستدعي ذلك، كما في الفصل الذي جاء على لسان الطبيب اليوناني ماركوس، حيث يتطرّق إلى تفاصيل كثيرة في حياة الطبيب، تحتل أكثر من 70 صفحة، من دون أن يؤدّي ذلك إلى دفع القصة الرئيسية قدماً. ولعل إصرار حسيني على حشد عدد كبير من التقنيات السردية الحديثة هو الذي جعل خيوط الرواية تفلت من بين يديه.

أما الإشكالية الأخرى، فتتعلق بالبُعد الأيديولوجي الذي نستشفّه داخل الرواية، ويتمثّل في الطريقة التي يقدّم الكاتب فيها عدة شخصيات تمثّل قوات التحالف: الفتاة المتطوّعة آمرا، والطبيب ماركوس، والجندي الأميركي هكتور الذي يعود إلى بلده بسبب إصابته أثناء فترة خدمته في كابول. شخصيات يصوّر حسيني عبرها "قوات التحالف" وكأنها مؤلّفة من أشخاص مسالمين جاؤوا إلى أفغانستان فقط لزراعة الزهور وتجميل وجه هذا البلد الذي شوّهته الحروب.

 وفي هذا السياق، يجعل إحدى الشخصيات الأفغانية ترغب في الاعتذار من والد الجندي هكتور بسبب إصابته في بلادها! وكأن الكاتب لم يفكّر، أثناء كتابة روايته، إلا بالطريقة التي تمكنّه من إرضاء قارئه الأميركي، والغربي عموماً.

المساهمون