حزب "العدالة والتنمية"... ثمانية عشر عاماً على التأسيس والحكم

13 سبتمبر 2019
+ الخط -

بداية قوية في ظل ضروف صعبة

تأسس حزب العدالة والتنمية في تركيا عام 2001 على إثر حل المحكمة الدستورية التركية لحزب الفضيلة الذي يمثل التيار السياسي الإسلامي في تركيا في ظل انسداد سياسي وأزمات اقتصادية، وخاض الحزب الوليد الانتخابات عام 2002 فكسب أغلبية البرلمان وشكل الحكومة منفرداً ونتيجة السياسات الاقتصادية التي انتهجها الحزب تمكن من كسب ثقة المواطنيين الأتراك مما مكنه من الاستمرار في الحكم حتى اللحظة الراهنة.

إنجازات انتخابية وتصدر المشهد السياسي

ما أن تأسس حزب العدالة والتنمية التركي إلا وبدأ نجمه باللمعان عبر تحقيق إنجازات انتخابية بارزة تلت التأسيس بمدة وجيزة ومنذ ذلك الحين والحزب يتصدر المشهد السياسي في البلاد عبر فوزه بجميع المحطات الانتخابية المختلفة، والتي تعززت بإنجازات كبيرة ملموسة انعكس أثرها على الحياة اليومية للمواطن التركي ولم تنحصر إنجازات الحزب في المجال الاقتصادي فحسب، بل امتدت إلى السياسة الخارجية أيضًا فانتهجت البلاد سياسة خارجية منفتحة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأخذت الدولة التركية تصنع سياستها الخارجية انطلاقًا من مصالحها الوطنية وليس بناء على علاقاتها بالآخرين كما كان عليه الحال في السابق. 

 

ووضع الحزب برنامجًا واضحًا للنهوض بحالة البلاد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية عرفت برؤية تركيا عام 2023 شملت هذه الرؤية الأهداف والبرامج اللازمة لتنفيذها ضمن مدد زمنية مرسومة ومحددة وقد قطع الحزب عبر احتفاظه بالسلطة شوطًا كبيرًا بتنفيذ هذه الرؤية وتحقيق أهدافها. 

لقد ساعدت الرؤية الواضحة للحزب في استقطاب خبرات وكفاءات وطنية في مختلف المجالات والتخصصات مما أعطى لعمله قيمةً مضافةً ظهرت في الأداء العام، ومضى الحزب في مسيرته لقيادة البلاد وإكسابها أدوارًا مؤثرةً في البعدين الإقليمي والدولي مبنيةً على نمو اقتصادي متصاعد واستقلال القرار السياسي وتحسين القوانين والتشريعات بما فيها التعديلات الدستورية المتلاحقة والتي أفضت إلى تحول البلاد إلى النظام الرئاسي. 

ولما كانت هذه الإنجازات قد تحققت باصطفاف أبناء الشعب التركي خلف الحزب عبر منحه ثقتهم من خلال صناديق الاقتراع في جميع الانتخابات التي خاضها منذ تأسيسه، وكذلك عبر إفشال المحاولة الانقلابية الآثمة التي حدثت في شهر تموز من عام 2016 فإن ذلك يحتم على الجميع الحفاظ على هذه الإنجازات والمكتسبات التي تحققت طيلة السنوات الثماني عشرة الماضية. 

تحديات كبيرة بعد قرابة عقدين على التأسيس والحكم

وكما هو معروف فإن الحياة السياسية مليئة بالفرص والتحديات وتدور اللعبة السياسية بين الفرقاء حول مواجهة التحديات واستثمار الفرص، بل وتحويل التحديات إلى فرص حال كان اللاعب السياسي حاذقًا.

واليوم وبعد مرور قرابة العقدين من الزمن على تأسيس حزب العدالة والتنمية التركي وصعوده إلى سدة الحكم في البلاد، فإنه يواجه جملةً من التحديات أبرزها: التحدي الاقتصادي المتمثل في ارتفاع معدل التضخم وتراجع سعر صرف الليرة التركية، وكذلك التحدي الأمني المتمثل بتصاعد نشاطات المنظمات الإرهابية والانفصالية، بالإضافة إلى التحدي السياسي المترتب على توحد قوى المعارضة في مواجهة الحزب أكثر من أي وقتٍ مضى، وخروج قادة مؤسسين في الحزب ومسعاهم لتأسيس أحزاب جديدة قد تنافس الحزب على قواعده الجماهيرية التقليدية.

ضرورة التجديد

إن وجود مثل هذه التحديات تحتم على الحزب انتهاج سياسات جديدة لمواجهتها، خاصة ما يتعلق باستيعاب الصف القيادي للحزب والاحتفاظ به عبر إيجاد أدوار مناسبة له في الحياة العامة وداخل الهرم القيادي في هياكل الحزب.

ومع وجود كل التحديات المذكورة إلا أن حزب العدالة والتنمية وحتى اللحظة الراهنة هو الرقم الصعب الأول بين الأحزاب السياسية، وهو الحزب الحاكم طيلة الأعوام الأربعة القادمة، وهذه مدة كافية إذا استثمرت بالشكل الصحيح في بناء الجماعة الوطنية، وتحديد الأطر العامة للحياة السياسية في البلاد وتعزيز قيم الحوار والشراكة السياسية والتوافق مع الآخرين حول المصالح العليا للشعب والدولة.

وبنظرة سريعة على التحديات التي يواجهها الحزب اليوم نجد أنها أقل صعوبة وخطورة من تلك التي واجهها عند التأسيس والانطلاق في الحياة السياسية فقد واجه الحزب وباقتدار نفوذ الجيش في الحياة السياسية واستطاع بطول النفس والتأني ترويض هذه الحالة والسيطرة عليها بشكل كبير، كما استطاع الحزب تجاوز مخططات وممارسات الكيان الموازي، إلا أن كل ذلك لا يقلل من شأن التحديات الحقيقية القائمة، خاصة أن الحياة السياسية مليئة بالصعوبات والمفاجآت.  

5E89F286-5164-4EC7-A49E-1BA28062B8B1
بكر محمد البدور
باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط. يعمل مدرباً للكوادر البشرية، ورئيساً للعديد من الهيئات الثقافية والاجتماعية، وله ثلاثة كتب منشورة.