اليمن: حرب المصالح

26 اغسطس 2019
+ الخط -
لم تكن حرب صيف 2015 في اليمن هي الأولى وليست الأخيرة، ورغم الكثير من الانقلابات والحروب منذ تأسيس الجمهورية، إلا أن حرب 2015 هي الأسوأ والأشد قسوة.

لم تستقر اليمن طيلة الفترة الماضية، وكان السبب هو غياب المشروع السياسي الجامع، وعمد النظام السابق- أي نظام علي عبدالله صالح- إلى الانفراد بالسلطة، وحاول الاستحواذ عليها بكل الطرق ونجح في فترة حكمه، فلم تأتِ ثورة فبراير عبثًا ولم تكن نتيجة الصدفة.

بعد إسقاط نظام صالح، استطاعت حكومة الوفاق الوطني أن تدير الأمور السياسية والاقتصادية بكل حنكة سياسية ولكنها فشلت في الإدارة السياسية وبشكلٍ كبير، أعني هنا أن الفشل جاء نتيجة عدم قدرة الحكومة على التحكم بالجهاز الإداري للدولة، كان الجيش والأمن لا يزالان تحت سيطرة النظام السابق وكانا يخضعان للتوجيهات الخارجية أكثر من التوجيهات الحكومية، ومن هنا بدأ اختراق الدولة وإسقاطها.

جاء الحوثي زحفًا من شمال الشمال، كان يحمل في إحدى يديه معول الهدم وبالأخرى بندقية، كان يبدو لنا ضعيفاً ولن يستمر، سانده علي صالح وفتح له كل الأبواب ودخل صنعاء في ليلةٍ مظلمة.


كان سقوط العاصمة صنعاء بأيدي جماعة الحوثي بمثابة بداية اغتيال حلم الدولة المدنية التي كنا ننشدها في فبراير، فبدأت فجوة الحرب تزداد سوءًا يومًا بعد آخر، حيث استطاع هادي الهروب من صنعاء بعد أن كان تحت الإقامة الجبرية، وكان الحوثي قد استطاع السيطرة على معظم المدن ذات الكثافة السكانية.

طلب هادي من السعودية التدخل عسكريًا لإنقاذ الوطن من الهلاك، وفي ليلةٍ مظلمة أخرى بدأ التحالف بقيادة السعودية والإمارات التدخل العسكري، وفي تلك الليلة تم ضرب المنصات العسكرية والمطارات، وخلال 15 دقيقة أصبح الجو اليمني تحت سيطرة دول التحالف، تلك الأحداث استطاعت إعادة اليمن إلى العزلة التي كان يعيشها إبان حكم الأئمة، لكنها كانت تفوقها، فهي ليست مجرد عزلة فقط بل وحرب أيضاً، صواريخ من السماء ومدافع من الأرض.

استطاع التحالف بوقتٍ قصير السيطرة على الأراضي الجنوبية لليمن، وبدأت اللعبة القذرة أكثر وضوحا، حيث تم التخطيط لتقسيم اليمن بنجاح لصالح الدول المتنازعة والمتصالحة، واستمرت الحرب طيلة 5 سنوات ظناً منا أنها لصالحنا، لكن الأمور الآن باتت أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى.

لقد أيقنت اليوم أننا، نحن المواطنين العزل، العدو الأول لطرفي الحرب، ويبدو أن الأمور تزداد سوءًا يومًا بعد آخر، لا سيما بعد الانقلاب الذي حدث في عدن.

بعد تحرير مدينة عدن من جماعة الحوثي لمعت أسماء قيادات لم يكن لها صيت من قبل، عمدت بعض القوى الخارجية والمحسوبة على التحالف أن تصنع من هذه الشخصيات بعض القتلة المأجورين، ظلت مدينة عدن طيلة السنوات الأخيرة وخاصةً بعد تحريرها تعيش حالةً من الرعب والانفلات الأمني، وكانت حمالات الاغتيالات تزداد وبشكلٍ ملحوظ، وهي عبارة عن تصفية مقصودة من أجل إفساح المجال أمام المجلس الانتقالي الجنوبي من أجل السيطرة على عدن وبكل سهولة وكما فعلت جماعة الحوثي قبل سيطرتها على صنعاء.

في مطلع أغسطس الجاري، تم استهداف القيادي الجنوبي أبو اليمامة بظروف غامضة، فاستغل الانتقالي هذه الحادثة وبدأ ينتقم من المواطنين المنحدرين من الشمال، وبدلًا من النفير ضد جماعة الحوثي بدأ النفير ضد العمال الذين لا حول ولا قوة لهم، وأعلن المجلس التمرد وبدأ الانقلاب الآخر في عدن، حيث سقطت معسكرات عدن بيد الانتقالي خلال ثلاثة أيام فقط، وكما جرى سيناريو سقوط صنعاء، سقطت عدن.

إن ظهور الانتقالي بتلك الطريقة وحصوله على تلك القوة العسكرية بوقتٍ قصير يدلان على أن حليفهُ كان يخطط لتلك اللحظة منذ زمن.

ممارسات التحالف الأخيرة تثبت إثباتًا لا مجال فيه للشك أنه يتحرك بشكلٍ مغاير لما جاء من أجله، وأصبحت الحكومة الشرعية في موقفٍ حرج أكثر من أي وقتٍ مضى، وثبثت لنا تصرفات الحكومة أنها أصبحت عاجزةً تمامًا عن التحكم بجميع الأمور لا سيما الأمنية.

تزداد نار الحرب في الاشتعال، ومعها تزداد ثقتنا بأن الحرب ليست إلا حرب مصالح لا أكثر، كل يبحث عن مبتغاه، وهناك مواطن يمني هو الضحية لكل هؤلاء، وهو من يدفع الفاتورة، ويعاني ويلات الحرب دون سبب يذكر.

F12E3969-BB29-4353-BC93-620733096278
مبارك اليوسفي

صحافي يمني يكتب للإنسان ومن أجل الإنسان، بعيدا عن التعصب ولغة العنف.

مدونات أخرى