صفحات من تاريخ تهمة الإساءة إلى سمعة مصر (4)

10 ابريل 2019
+ الخط -
فاصل هزلي قصير
في عام 1998 عادت تهمة "الإساءة إلى سمعة مصر" للظهور بقوة في وسائل الإعلام، مرتبطة بفيلمين سينمائيين أحدهما فيلم تسجيلي ألماني، والآخر فيلم روائي مصري كان قد تقرر إعادة عرضه في باريس، وكانت الممثلة جالا فهمي هي التي فجرت الضجة المتعلقة بالفيلم الأول، حين اتصلت في منتصف مارس 1998 بعدد من الصحفيين، لتعلن اتهامها لزميلتها يسرا بتشويه سمعة مصر، بالتعاون مع طاقم فيلم تسجيلي ألماني يزور القاهرة، وهو ما نشرته بعض الصحف الحكومية لتربطه بما أطلق عليه "عملية السي إن إن" التي وقعت في عام 1994 وأثارت ضجة استمرت لفترة طويلة، وكانت قد بدأت بعد أن عرضت شبكة سي إن إن الأمريكية فيلماً تسجيلياً يعرض وقائع عملية ختان قام بها حلاق صحة لطفلة عمرها عشر سنوات في منزل والدها بالدرب الأحمر، ليتم القبض على حلاق الصحة والوالد ويتم إحالتهما للنيابة بتهمة مساعدة المحطة الأمريكية على الإساءة إلى سمعة مصر، خاصة أن الفيلم تم عرضه بعد افتتاح المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة، والذي لعبت فيه سوزان مبارك زوجة الرئيس دور حامية حمى المرأة والطفولة، فجاء عرض الفيلم إحراجاً لها وللنظام المصري على المستوى الدولي، وهو ما دفع الكثير من الصحف الحكومية لاعتبار ما جرى مؤامرة تم التخطيط لها على أعلى مستوى.

لكن اتهام جالا فهمي ليسرا بالإساءة إلى سمعة مصر لم يكن مرتبطاً بالختان، بل بأطفال الشوارع، كانت جالا تشارك يسرا في بطولة فيلم للمخرجة إيناس الدغيدي يحمل عنوان (العري)، تغير اسمه فيما بعد إلى (كلام الليل). قالت جالا لمحرر مجلة روز اليوسف حسام عبد الهادي أنها كانت تصور مشهداً راقصاً في استديو نحاس، يظهرها وهي ترقص لعدد من السكارى المحاطين ببعض فتيات الليل، وبرغم أنها كانت تشعر بتعب شديد وارتفاع في درجة الحرارة، إلا أنها واصلت الرقص حتى لا تتسبب في تعطيل التصوير، ثم فوجئت بوجود فريق عمل تلفزيوني عرفت أنه يتبع للتلفزيون الألماني جاء لإجراء حوار مع يسرا، ثم فوجئت بأن المخرج الألماني "يحضر طفلاً متشرداً ويطلقه في الاستديو وسط المشهد وأنا أرقص، هذا الطفل كانت حالته رثة، ملابسه مهلهلة، وملوث الوجه واليدين، وهنا ثرت في وجه المخرج الألماني وصرخت منادية على إيناس الدغيدي"، وحين تضامن بعض فريق العمل مع جالا مثل مساعد المخرج ـ وقتها ـ علي رجب الذي قال ليسرا "لازم نخاف على مصر" ومدير التصوير ماهر راضي الذي لم يعجبه ما حدث، غضبت يسرا لأن ضيوفها تعرضوا للإحراج واصطحبت الفريق الألماني إلى غرفتها لتطييب خواطرهم، لكن جالا علمت أن الفريق الألماني جاء إلى مصر لتصوير فيلم تسجيلي عن مصر وليس لتصوير حوار مع يسرا كما قالت لها إيناس الدغيدي، لذلك توجهت جالا لموقع التصوير بعدها بيوم، ونادت بأعلى صوتها على إيناس وسألتها: "قولي لي يا إيناس، الألمان كانوا بيصوروا إيه؟ لما هما بيصوروا فيلم تسجيلي بيصوروني ببدلة الرقص ليه؟ انتي عايزة تبيعيني لهم؟"، فشتمتها إيناس وردت عليها جالا بالشتائم وغادرت مكان التصوير غاضبة، لكنها حاولت أن تتصل بوزراء الثقافة والسياحة والداخلية لوقف مهزلة تصوير الفيلم الذي يريد به الفريق الألماني أن يسيئ إلى مصر "عن طريق الاستعانة بطفل متشرد يمشي بين الراقصات والسكارى ليظهروا أن مصر تعيش حالة من الفساد والفقر والتسول، واشترطت جالا لكي تعود إلى تصوير فيلم (العري) أن تقوم إيناس الدغيدي بتسليمها الشريط الذي قام بتصويره المخرج الألماني".

وحين سألت محررة روز اليوسف سهير جودة كلاً من يسرا وإيناس الدغيدي عن حقيقة ما حدث، اتضح أن وراء الحكاية تفاصيل أبعد من فكرة "الإساءة إلى سمعة مصر"، فقد اتضح أن الفيلم الألماني ليس معنياً بالحديث عن مصر بشكل عام، بقدر ما هو معني بالحديث عن علاقة الشاعر الألماني هانز إبندفور بمصر التي زارها ثلاثين مرة خلال حياته التي دامت ثمانين عاماً، ووصلت إلى نهايتها بعد إصابته بضمور في خلايا المخ، وأن الفيلم التسجيلي المأخوذ عن كتابه (ليل في القاهرة) يحكي عن ذكريات الشاعر مع القاهرة والأقصر وعن محبته لأم كلثوم وليسرا التي يعتبرها ممثلته المفضلة، وكانت يسرا قد تعرفت على مخرج الفيلم خلال اشتراكها معه في أعمال لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سنة 97، فحدثها عن ما كتبه الشاعر الألماني عنها، وعن رغبته في عمل فيلم تسجيلي عن أيامه الأخيرة تظهر فيه يسرا وهي تتحاور مع الشاعر الألماني في زيارته التي قد تكون الأخيرة لمصر، فرحبت يسرا بالمشروع واستأذنت إيناس الدغيدي أن يحضر فريق العمل تصوير فيلمهما (العري)، مؤكدة أن اختيار مشهد الرقص الذي تشارك يسرا أيضاً فيه بالتمثيل لم يكن مقصوداً، كما أن الفيلم لا يقدم أي إساءة إلى سمعة مصر، بل يمجدها ويظهر افتتان الشاعر الألماني بها.

أما إيناس الدغيدي فقد قالت إن جالا فهمي كان من حقها أن ترفض التصوير عندما جاء التلفزيون الألماني، لكنها لم تفعل، "ثم فوجئت بها بعدي ومين تأتي للتصوير في حالة غير طبيعية وتقول: إزاي أطلع كومبارس في فيلم عن يسرا؟ وتحدثت بشكل غير لائق وعندما وجدت الموضوع خارجا عن قيادتي شخطت فيها وطلبت منها تشتغل فرفضت وتركت التصوير وما زالت لها أربعة مشاهد بالفيلم لم أقرر بعد مصيرها... نحن لا نقدم فيلما سريا، ولو كان المقصود من الفيلم الألماني تصوير الرقص الشرقي في مصر فهناك عشرات الأماكن يمكنهم تصويرها وبسهولة ولكن تصادف أن يكون هذا هو المشهد الذي نصوره في ذلك اليوم"، لكن جالا فهمي حرصت على أن ترسل رداً إلى (روز اليوسف) تنفي فيه أن يكون الموضوع خلافاً شخصياً بينها وبين يسرا، وتؤكد حرصها على سمعة مصر بديل أنها أبلغت هيئة الإستعلامات عن الفيلم الألماني الذي اختفت أخباره لفترة، حتى قامت صحيفة (الجمهورية) بعد عام بالإشارة إليه ضمن تحقيق بعنوان (الأفلام التي تسيئ لسمعة مصر من يوقفها؟)، دون أن تشير إلى ما إذا كان قد تم حذف مشهد رقصة جالا مع الطفل المتشرد أم لا؟

النقيب والمصارين
بعدها بأشهر وفي صيف 1998 كتب الكاتب إسماعيل النقيب نائب رئيس تحرير صحيفة (الأخبار) الحكومية في يومياته بالصحيفة، محتجاً على المستشار الثقافي للسفارة المصرية بباريس علي القاضي، الذي اختار عرض فيلم (أحلام هند وكاميليا) للمخرج محمد خان، ضمن احتفاليات السفارة المواكبة لزيارة الرئيس حسني مبارك إلى فرنسا، وطالب اسماعيل النقيب كلا من وزراء الخارجية والسياحة والثقافة والإعلام بأن يتدخلوا لوقف سفر وعرض الفيلم الذي وصفه النقيب بأنه "الفيلم الحقير جداً"، متهماً الفيلم بأنه لم تظهر فيه صورة جميلة واحدة للوطن الجميل، وأنه صُنع للنيل من سمعة مصر، بإظهار صور طفح المجاري والقاذورات والنوم في المواسير لعدم وجود إيواء، وختم النقيب مقاله قائلاً "احتراماً للوطن، امنعوا عرض هذا الفيلم المؤامرة".

لم يكشف النقيب في مقاله أطراف المؤامرة الذين تورط معهم محمد خان، الذي كان لا يزال وقت نشر المقال مديناً للبنوك بأموال الأفلام التي استدان من أجل إنتاجها، وباع من أجل ذلك "اللي وراه واللي قدامه"، لكن أكثر ما كان مثيراً للضحك المبكي أن فيلم (أحلام هند وكاميليا) الذي نال كل هذه الاتهامات لا يوجد فيه أصلاً أي مشهد لطفح المجاري، وهو ما جعل محمد خان بعد قراءة المقال الذي سرى سريان النار في الهشيم الصحفي يتصل بصديقه خيري بشارة ليقول له متهكماً: "يا خيري أنا ما ليش دعوة بالمجاري، مش المجاري دي طالعة في فيلمك يوم حلو ويوم مر"، فيرد عليه خيري ضاحكاً: "طب ما في واحد مرة اتهمني بإني طلعت صراصير في فيلمي والصرصار ده كان في فيلمك"، وكان خيري بشارة قد تعرض من قبل لتهمة الإساءة إلى سمعة مصر في الخارج بسبب لقطة من فيلمه التسجيلي الرائع (صائد الدبابات) تظهر فيه فلاحة تسد ثغرة في بيتها، بشكل رآه بعض كتاب الصحف الحكومية أنه يشوه سمعة مصر لدى الأجانب الذين سيشاهدون الفيلم في المهرجانت الدولية، وطالبوا بحذفها أو وقف عرض الفيلم، مثلما سبق لوزير الثقافة عبد الحميد رضوان أن قام بوقف عرض فيلم تسجيلي في نفس الفترة كان يتعرض لسقوط المباني القديمة المنهارة، وأمر بعدم تصديره إلى الخارج لأنه يسيئ لسمعة مصر.

كنت بعد نشر مقال إسماعيل النقيب قد قمت بكتابة تحقيق صحفي لمجلة (صباح الخير) عن عودة تهمة "الإساءة إلى سمعة مصر" للظهور على الساحة، بعد أن اختفت لعدة سنوات، وحين اتصلت بالكاتب إسماعيل النقيب لمناقشته في مقاله، تأكدت من خلطه للأمور، حين قال لي ما نصه: "هذا الفيلم من أحط أنواع الأفلام وخطورته أنك ممكن تتعاطف مع سيمون الغلبانة اللي بتمارس الجنس مع محمد منير ومع شخصيات زي عايدة رياض ونجلاء فتحي"، وحين قاطعته متسائلاً: "لكن يا أستاذ اسماعيل انت تقصد كده فيلم يوم مر ويوم حلو بتاع المخرج خيري بشارة"، رد قائلاً: "آه فعلاً، ربما أنا كنت شفت الاتنين في وقت واحد لكن همّ على نمط واحد ويستحقوا المنع من العرض"، وحين سألته عما جعله يتذكر فيلم (أحلام هند وكاميليا) بعد مرور كل هذه السنين على عرضه لأول مرة، قال لي: "أنا كنت شفته قبل الكتابة بالصدفة البحتة، وغضبت عندما قرأت مؤخراً عن عرضه في باريس وتوقيت العرض هو الذي أغاظني، لإن ده فيلم بيطلّع مصارين القاهرة، والمناظر اللي بيقدمها موجودة صحيح لكن لا داعي تطلعونا بهذه القسوة، الحياة حدانا مش كده بس، أنا لقيت في نوعية من الأفلام عينها على الجوائز وكلما تيجي تسب الوطن تاخد جائزة".

قلت له: "لكن الدول التي تمنح الجوائز هي نفسها تعطي جوائز لأفلام فرنسية وأمريكية وأسبانية تعكس الواقع المرير والفاسد الموجود في هذه الدول، يعني ليس هناك تعمد يخصنا فقط ثم إن معيار منح الجوائز هو فنية الأفلام وليس التشويه"، رد اسماعيل النقيب منفعلاً: "هناك المجتمعات صلبة، وبعدين انت لما تروح فرنسا بيكون عندك فكرة إنها بلد واقفة على رجليها وبتسمع إن باريس عاصمة النور وما بيأثرش فيك فيلم أو فيلمين، لكن لما آجي أروح بنجلاديش وعدن والقاهرة وأشوف أفلام عن القبح سأتأكد إنها بلاد قبيحة، أنا ضد التربص والتربّح". قلت له: "إذن يمكن بنفس المنطق أن ندعو لمحاكمة نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف مثلاً لأنهم أظهروا في بداية ونهاية صورة تسيئ إلى سمعة مصر"، رد غاضباً: "أنا مش قصدي ده، ما تبقاش زي العميان اللي شافوا الفيل، أنا باقول بلاش الفيلم ده في هذا التوقيت، أنا مش ضد الحجر على أي شيئ، لكن أنا عامل فرح ما تفسدوش بفيلم زي ده"، قلت له: "لكن الأمم المتحضرة لا تخاف من فتح جروحها و.."، قاطعني منفعلاً: "انت على فكرة عقلك صغير زي العيال بتوع يسقط الاستعمار الغاشم، أنا بقى لي 37 سنة كاتب، انت يا ابن امبارح هتعلمني، ما يجيبوا في أمريكا وفرنسا أفلام زي ما همّا عايزين، هناك الناس ملهيين عن بعضهم، يا عم إحنا غير دول، هناك الموظف الغشلان بياخد الشيئ الفلاني، وأنا أكره ما عليّ التشبيه بأمريكا وانجلترا والدول دي"، نشرت نص كلام النقيب وعلقت عليه في تحقيقي الصحفي قائلاً: "أنهيت حديثي مع الكاتب اسماعيل النقيب دون أن أقول له: اشمعنى يعني دي اللي مش عايزين نتشبه فيها بأمريكا وأوروبا، خلاص جت على الحرية والتفتح وبقى التقليد حرام"، ولم أقل له هذا طبعا لكي لا يذكرني ثانية بفرق السن، فلا يصح أن يختلف ابن امبارح مع ابن أول أول امبارح".

صفعات وقبلات
حين طلبت من الأستاذ محمد خان أن يرد على اتهامه بالإساءة إلى سمعة مصر، أجاب بهدوء قائلاً: "أولاً هذا الاتهام اتهام متأخر، والفيلم منذ ظهر في سنة 88 وهو يواجه اتهامات، لكنها كانت اتهامات بإظهار القبح وليست اتهامات بالإساءة إلى سمعة مصر، وكان هناك رأيان مختلفان في الفيلم، أنيس منصور يتهم الفيلم، وبعدها بيوم الراحل العظيم أحمد بهاء الدين يرد في العمود المقابل لعمود أنيس منصور، أنا رأيي أنه لا يجب أن نشكك في نية أي فنان، ولا بد أن نواجه الأمور بنوع من الموضوعية، لأن هناك فرقاً بين الأفلام السياحية والأفلام التي تحاول أن تكون واقعية، ونحافظ على حق الفنان في التقديم وحق المتلقي في الرفض، لكن من العيب أن نتهم أحداً بالإساءة إلى البلد كلها بفيلم، إذا كان الواقع مريراً وعبّر عنه الفنان بأي شكل فهو لم يصنع هذا الواقع، بل قدّم الموجود في سياق درامي من أجل تحسينه، وأمريكا التي يعتبرها الجميع الدولة الأقوى في العالم عندهم في أفلامهم صراصير وفيران وخرابات وما بيداروش حاجة، وما فيش حد بيُتهّم بالإساءة لسمعة أمريكا، إحنا عندنا حساسية مفرطة للأسف، زي ما ييجي حد بيعمل في بلد عربي يشوف فيلم ويبقى مكسوف قدام أصحابه هناك، فيبعت جواب يطالب بمنع الفيلم ويجد من يوافقه، وبعدين خلونا نتكلم بالمنطق، الفيلم اتوافق عليه رقابياً كسيناريو وكفيلم، ولو كان فيه إساءة لسمعة مصر لما تمت إجازته".

قلت لمحمد خان: "في نفس اليوم الذي تم اتهامك فيه بالإساءة لسمعة مصر، نشرت الصحف خبر تكريمك في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي كممثل للسينما المصرية، بماذا شعرت؟"، فأجابني بضحكته الشهيرة التي لم تخل من مرارة قائلاً: "ما فيش، كتبت مقالاً في عمودي الأسبوعي بجريدة القبس الكويتية بعنوان (صفعات وقبلات في نفس اليوم)، وبعدين أنا عمري ما شفت مقال يطالب كاتبه وزراء الخارجية والثقافة والسياحة والإعلام بالوقوف ضد فيلم، كان ناقص حاجة واحدة في هذا المقال الرجعي إنه يطالب وزير الداخلية بالقبض عليّ. وللعلم بعكس ما يدعيه المقال أنا قمت بتجميل الواقع، فالمفروض حسب قصة الفيلم أن الشخصيات تعيش في منطقة المطرية، وقبل التصوير ذهبت لمعاينة مواقع التصوير في شوارع المطرية فوجدتها أقرب إلى المستنقعات، ولذلك اخترت التصوير في مناطق في وسط مصر الجديدة، يعني أماكن أنظف عشرات المرات من الواقع، حتى البيوت التي صورنا أن الأبطال سكنوا فيها، هي تابعة لمصلحة الكهرباء وأنا شايف إن فيها جمال في الصورة، للأسف هناك حساسية عند البعض تخص كل ما يتعرض للفقر، فيلمي يعكس الفقر وليس القبح، والمشهد الذي استفز البعض بشدة، هو مشهد الولد الصغير اللي بيخربش العربية المرسيدس، وأحدث ردود فعل عنيفة من فئات مختلفة. على أية حال أنا شايف أن الاتهام بالإساءة إلى سمعة مصر لا يستحق الرد، لأنه لا يغير من انتمائي الحقيقي لهذا الوطن وحبي له، وبعدين الفيلم اتعرض بالفعل في باريس، يعني كنت سأثور لو لم يكن اتعرض بالفعل. وبمناسبة الكلام عن الجوائز هذا الفيلم حصل لمصر على برونزية مهرجان فالنسيا في أسبانيا، وجائزة أحسن ممثلة في طشقند لنجلاء فتحي، وأكثر جائزة في مشواري أعتز بها حتى الآن هي جائرة المركز الكاثوليكي التي حصل الفيلم عليها كأحسن فيلم إنساني يعكس الإنسانية وهو ما ينفي اتهامه بالقبح".

أبو العلا ومكارثي
استطلعت رأي الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة بوصفه واحداً من أبرز المتهمين بالإساءة إلى سمعة مصر، بل وكان المتهم الذي سبق محمد خان مباشرة، حين واجه مسلسله (أبو العلا 90) مشاكل مع الرقابة عرقلت عرضه في قنوات التلفزيون المصري الحكومية، بعد أن تم اتهامه بالإساءة إلى سمعة مصر، قال لي الأستاذ أسامة بانفعاله المعهود: "هذا نوع من التخلف وقصور التفكير، وحجة الإساءة إلى سمعة مصر يتم رفعها في وجه صاحب كل فكر جديد، إحنا مش عايزين نقول في مصر أناشيد، شبعنا أناشيد، من صغرنا بيقولوا لنا نيلها دهب وشمسها ساطعة وجنة الله على أرضه، هذه الجنة لن تتحقق إلا بإنسان حر التفكير، الفن لا يخفي العورات بل يصل إلى لب الحقيقة ويكشف جروحنا للنور لنعالجها وننظفها، أما اتهام كل فن يقترب من الواقع بهذه التهمة فهذه مصادرة لا نقبلها، طب ما يروحوا يقولوا للأمريكان ليه ما بتهتموش بسمعة بلادكم في الأفلام اللي بتعري الواقع الأمريكي، ويخلوهم يرجعوا أيام حملة المكارثية التي شهدتها أمريكا زمان. أنا عايز أقول لهؤلاء السادة إنه في تركيا التي لا تنتمي لدول العالم الأول ولا حتى الثاني، ظهر الكاتب التركي الكبير عزيز نيسين في مقابلة تلفزيونية وقال إن الشعب التركي عبيط وأحمق، ولم يتهمه أحد بالإساءة إلى سمعة تركيا، وبعدين ما رأي الأستاذ إسماعيل النقيب في ما يكتبه زميله أنيس منصور في عموده ويشتم فيه مصر كل يوم، بدل ما هو مركز مع الفن بس".

سألت الأستاذ أسامة "كم مرة تعرضت فيها لتهمة الإساءة إلى سمعة مصر"، فرد ضاحكاً: "ياه، كتير، ومن زمان، بدءاً من مسلسل (أبواب المدينة) وبعدين في (ليالي الحلمية) خاصة الجزء الخامس اللي اتكلم عن الفساد وأخيراً في (أبو العلا 90) اللي اتقال فيه ما قاله مالك في الخمر، والحقيقة إنها لما بطلت حكاية إن فلان ده شيوعي بدأوا يدوروا على تهمة تانية ولقوا تهمة الإساءة إلى سمعة مصر التي طالت أيضاً يوسف شاهين في فيلمه (القاهرة منورة بأهلها)، وطالت أيضاً بشير الديك وعاطف الطيب ونور الشريف في فيلم (ناجي العلي)، وهي تهمة متواترة هتلاقيها توجّه لكل ما هو حقيقي وجاد، منذ أيام الرئيس الراحل المؤمن بطل الحرب والسلام أنور السادات الذي قال: اللي بيشتمني يبقى بيشتم مصر، واللوبي بتاعه اللي عاش لا زال متمسكا بهذه الرؤية للأسف".

...

نختم غداً بإذن الله.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.