الاقتصاد القطري في مواجهة الحصار

01 اغسطس 2017
+ الخط -
يعتمد الاقتصاد القطري بشكل رئيس على صادراته من النفط والغاز، وتتجه أغلب هذه الصادرات إلى دول شرق آسيا (اليابان، الهند، كوريا الجنوبية...)، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لقطر عام 2016 (559.295) مليار ريال قطري بالأسعار الجارية (154 مليار دولار تقريباً)، وبلغ متوسط دخل الفرد 246 ألف ريال قطري عام 2016 (68 ألف دولار)، وهو الأعلى على مستوى العالم.

وتعتبر قطر جزءا من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وترتبط به بعلاقات اقتصادية، حيث تم التوقيع على منطقة التجارة الحرة عام 1982، وعلى الاتحاد الجمركي عام 2003، ومع ذلك لم تتجاوز العلاقات البينية من الناحية التجارية 7%، بسبب تشابه الهياكل الإنتاجية.

لكن مع بداية الربيع العربي بدأت التباينات في المواقف من هذا الحدث المهم بين قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وظهر ذلك جلياً في كل من ليبيا وتونس ومصر وسورية، وانتهى الأمر باتهام كل من السعودية ومصر والبحرين والإمارات لقطر بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في دول المنطقة، وتلا ذلك سلسلة من القرارات، والتي تمثلت بسحب السفراء، وتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى قطع العلاقات الاقتصادية وفرض حصار برّي وجوي من هذه الدول على قطر.

والسؤال ما هو أثر تلك الإجراءات على قطر من الناحية الاقتصادية؟

بداية يجب علينا أن نعرف حجم التبادل التجاري بين قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة (السعودية والبحرين والإمارات) لكي نقيم أثر تلك القرارات من الناحية الاقتصادية على المؤشرات الاقتصادية القطرية.

وفقًا لبيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي، فقد بلغت الصادرات القطرية عام 2015 (77.2) مليار دولار منها 5.8 مليارات دولار لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 7.5% تقريباً.

أما عن الواردات القطرية من دول مجلس التعاون الخليجي، فقد بلغت 5.4 مليارات دولار عام 2015، وهذا يدل على وجود فائض لصالح قطر بحدود 400 مليون دولار فقط، وبقيت النسبة ذاتها تقريباً في عام 2016، ولم تتجاوز 7%.

وتشير التقارير الصادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء القطرية بأن نسبة الصادرات  والواردات القطرية إلى دول العالم في عام 2016 كانت على الشكل التالي:

نسبة الصادرات: اليابان 19% - كوريا الجنوبية 15% - الهند 14%- الصين 6%.

نسبة الواردات: الولايات المتحدة 16% - الصين 15%- ألمانيا 15%- اليابان 6%.

ووفق منشورات البنك المركزي القطري فقد بلغ الوفر في ميزان المدفوعات (16384) مليون ريال قطري في عام 2016، و8830 مليون ريال قطري في الربع الأول لعام 2017، ويشكل الفائض في ميزان المدفوعات ميزة مهمة لما له من أثر على الاستقرار الاقتصادي وخاصة النقدي (استقرار سعر الصرف)، وتعزيز الاحتياطي النقدي بالعملات الصعبة.

وهذا يدل على أن أكثر من نصف الميزان التجاري لقطر مع دول لم تتخذ بحقها أي إجراءات اقتصادية، وبأن الميزان التجاري مع الدول التي اتخذت سلسلة من العقوبات اتجاهها لا يتجاوز 7%، وبذلك لن تستطيع هذه العقوبات التأثير على سعر الصرف القطري (الدولار يساوي 3.64 ريالات قطرية)، أو التأثير على معدلات النمو الاقتصادي، وتستطيع قطر أن تتفادى أثر تلك العقوبات من خلال العمل على إيجاد شركاء جدد، وهذا ما حصل من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع كل من إيران وتركيا، بالإضافة إلى إتباع سلسلة من السياسات الاقتصادية المتمثلة بالتالي:

- سياسة إحلال الواردات، وخاصة المنتجات الغذائية، سواء داخل قطر أو الاستثمار بهذا القطاع خارجها، في دول تمتلك مزايا نسبية في الإنتاج الزراعي كالسودان مثلاً.

- التركيز على النقل البحري الذي يتميز بانخفاض تكلفته، تعويضاً عن قطع الطرق البرية.

- البحث عن أسواق جديدة لتصدير المنتجات القطرية.

وتتميز العقوبات الاقتصادية التي فرضت على قطر بخسارة الطرفين من الناحية الاقتصادية، وربما يدفع ذلك قطر إلى المضي بالسير خارج منظومة التعاون الخليجي، وسحب استثماراتها خارج دول مجلس التعاون الخليجي، والاستثمار في أسواق جديدة، وبالتالي تجنب كافة الآثار السلبية للحصار، وتبقى سياسة الحصار الاقتصادي التي تلجأ لها بعض الدول مرفوضة، لأن من يدفع الثمن أولاً وأخيراً هي الشعوب.

A4BAAEB6-EDBA-46DF-946F-A18E4C4F5B9A
عبدالله الفارس

أكاديمي سوري وباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية.