إسرائيل تتحدى العالم

20 فبراير 2017
+ الخط -
الكنيست الإسرائيلي يتحدَّى العالم، ويضرب بالقرار الأممي عرض الحائط. ويتبنّى مشروع قانون البؤر الاستيطانية، والذي يجيز لإسرائيل زيادة مستوطناتها في الضفة الغربية كأمر طبيعي، ومنذ متى كانت إسرائيل تحترم الأمم المتحدة أو قراراتها أو قوانينها. كما صادق الكنيست على قانون يمنع الأذان في القدس والأراضي المحتلة، في تحدٍّ واضح للأعراف والقوانين الإنسانية والدولية.

إسرائيل تعيش اليوم أزهى فتراتها بعد وصول الحليف، دونالد ترامب، للسلطة، وقد وعدها بكل ما كانت تحلم. القدس عاصمة، واليد الإسرائيلية المطلقة والعالم الصامت الذي لا يحرّك ساكناً، ولو تحرك ستوقفه أميركا ترامب.

وكانت الأمم المتحدة قد أصدَرَت قراراً تاريخياً، حين قرّرت دولها الأعضاء التصويت على قرار إيقاف الاستيطان بعد الفضيحة العربية التي حدثت، عندما تراجعت مصر أمام الناطق الرسمي الدائم باسم فلسطين. إذ كانت مُكالمَة هاتفية من البيت الأبيض لمصر كافية بتوقفها عن تقديم الطلب للأمم المتحدة، قبل أن تغسل أربع دول عار العرب حين قدمت السنغال وفنزويلا ونيوزلندا وماليزيا مشروع القرار المطالب بوقف الاستيطان. وصوتت له بقية الدول الأعضاء باستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي امتنعت عن التصويت، ولم تستخدم حق النقض "الفيتو" كما عودتنا دائماً.

القرار تاريخي، لأن مسيرة الأمم المتحدة منذ إنشائها سنة 1945، تجاه القضية الفلسطينية لم تكن مشرفة، بل كانت للكيان الإسرائيلي أقرب. فبدأت الأمم المتحدة مسيرتها تجاه القضية الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل كدولة، حين صدر القرار رقم 181، بتاريخ 29 نوفمبر 1947، والذي يقضي بتقسيم فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني إلى دولتين، دولة عربية ودولة يهودية. واعتبِرَ هذا الأمر، يومها، ضربة موجعة للقضية الفلسطينية، وبداية انحراف للمنظمة التي أنشأت من أجل أن تستعيد الشعوب حقها في تقرير مصيرها. وظلت الأمم المتحدة مناهضة للاستعمار والاحتلال الأجنبي، إلا في ما يتعلق بإسرائيل، فقد كانت تغض الطرف عنه تحت الضغط الأميركي، والغشاوة الدولية.

ثم جاءت فترة الحروب العربية الإسرائيلية التي كانت أولها سنة 1948، حين هُزِم جيش الملك فاروق، وبدأت إسرائيل تتجبر وتستوطن. من يومها حتى بدأت حرب سنة 1967 والتي انتهت بما عرف بالنكسة والهزيمة التاريخية للعرب في حروبهم مع إسرائيل. يومها، زاد المحتل من جنونه وطغيانه وسرقة الأراضي الفلسطينية، وكانت الأمم المتحدة تتفرج، والدول الكبرى من ورائها شهود. ثم جاءت كامب ديفيد 1979، وبداية "السلام" العربي الإسرائيلي، حين باع جنرالات مصر بقيادة أنور السادات القضية الفلسطينية، واختاروا السلام مع إسرائيل، ولكنهم على الأقل كانوا يخجلون.

يومها، زادت إسرائيل من مساحة الأراضي المحتلة، وظلت الأمم المتحدة كعادتها تتفرّج تحت مفعول التخدير الأميركي. إسرائيل تتجاوز في كل شيء، وتقتل وترتكب المجازر بحق الفلسطينيين، والأمم المتحدة لا تمل من الاجتماعات، ثم جاء السلام العربي الإسرائيلي واتفاق أوسلو سنة 1993، ليزيد الطين بلة، ويمنح إسرائيل فرصة كانت تنتظرها، فكان انتصارها استيطاناً وفرحها قتلاً وسرقة لفلسطين. وارتكبت بعدها المجازر، وظلت الأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ أي قرار يدين الاحتلال واستيطانه ويجرمه.  

كان قرار الأمم المتحدة ضربة موجعة لإسرائيل، وحلفائها. والرسالة واضحة جداً. العالم كله يدين الاحتلال، ويقف في وجه إسرائيل، والقضية الفلسطينية أصبحت دولية بعدما خذلتها جاراتها العربية. دكار وكوالامبور وكاراكاس وويلنغتون لن تسكت بعد اليوم وستتبنى القضية الفلسطينية ومعها دول أخرى كثيرة. العالم كله يعترف بفلسطين المحتلة ويدين إسرائيل المحتلة اليوم، وهذا لم يحرج مصر السيسي التي جلبت العار للعرب. العالم لم يعد يعنيه كثيراً اتصالات البيت الأبيض. لقد ذاق الجميع طمع الاحتلال، وسقوا من كأس الموت، وهذا لم يعد زمن التبعية.

نتنياهو وأعضاء حكومته لم يناموا تلك الليلة يستدعون تلك الدول للاستفسار.. وترامب يهدد ويتوعد. كيف لتلك الدول الصغيرة أن تنسحب من بيت الطاعة الأميركي؟ لقد جرحت أميركا في كبريائها السياسية.

D127B5A7-B6C4-4CC3-AB0D-021CE7601547
الشيخ محمد المختار دي

صحافي بفضائية القناة التاسعة وكاتب بمواقع عربية. حاصل على إجازة أساسية في علوم الإعلام والاتصال من معهد الصحافة بتونس، وعلى بكالوريوس أداب من جامعة نواكشوط، ومقيم في إسطنبول.