مجتمع اﻟﺠﯿﺎﻧﻐﮭﻮ (اﻟﻤﺎﻓﯿﺎ اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ)... تاريخه وحاضره
بعضنا قد سمع عن الجماعات الإجرامية اليابانية المعروفة بـ(الياكوزا)، والتي تعرف أيضًا باسم جوكودو، منذ القرن السابع عشر الميلادي، وهم الأشخاص المهمشون في المجتمع ورجال الساموراي العاطلون (رونين)، والذين كانوا ينتظمون في جماعات تمارس السلب والنهب، وقطع الطرق. اكتسبت الياكوزا شهرة واسعة بسبب التأثير الثقافي الواسع لليابان وتجسيد حياتهم في أفلام هوليوودية كثيرة.
أما عن "جيانغهو" الصينية فلا يمكن اعتبارها مكافئا صريحا للمافيا الإيطالية أو الياكوزا اليابانية، لأن مجتمع الجيانغهو وأبطاله الذين يسمون (ووشيا) لهم طبيعة خاصة وتاريخ بطولي، على طريقة روبن هوود في الثقافة الإنكليزية أو الفتوات في الثقافة المصرية.
ماذا تعني (ووشيا)؟
ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ تعني اﻟﺨﺎرﻗين، أو ﻣﻘﺎتلي اﻟﻜﻮﻧﻐﻔﻮ، أو اﻟﻤﺤﺎرﺑﯿﻦ اﻟﺠﺒﺎﺑﺮة. وﻗﺼﺺ (اﻟﺨﺎرﻗﻮن) ھي ﺷﻜﻞ أدﺑﻲ ﺛﺮي ﺟﺪاً وﻣﻤﯿﺰ ﻓﻲ اﻷدب اﻟﺼﯿﻨﻲ، ﻟﮫ ﺟﻤﮭﻮره اﻟﻌﺮﯾﺾ، ﺧﺼﻮﺻﺎً ﺑﯿﻦ اﻟﺸﺒﺎب، وﻟﻜﻨﮫ ﻣﮭﻤﻞ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻏﻠﺐ اﻟﻤﺘﺮﺟﻤﯿﻦ، ﻧﻈﺮاً ﻟﺼﻌﻮﺑﺔ ﺗﺮﺟﻤﺘﮫ وﻓﮭم لغته وضخامة الأعمال التي تصل في بعض الأحيان لمجلدات يتألف كل منها من آلاف الصفحات.
ﺗﺪور أﺣﺪاث روايات ووشيا اﻟحماسية ﻓﻲ اﻟﻌﺼﻮر اﻟﻘﺪﯾﻤﺔ، وھي ﻣﺰﯾﺞ ﻣﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺦ وﻓﻨﻮن اﻟﻘﺘﺎل واﻟﺘﻘﺎﻟﯿﺪ اﻟﺼﯿﻨﯿﺔ واﻹﺛﺎرة واﻟﺘﺸﻮﯾﻖ، وﺗﺠﺴﯿﺪ ﻟﻔﻜﺮة "اﻟﺨﺎرﻗﻮن" الموجودة في ثقافات أخرى، ولكن هذه المرة على الطريقة الصينية. ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ الأعمال المكتوبة، ﻓﺈن ھﻨﺎك عديد اﻷﻓﻼم، اﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ﺷﺎھﺪت ﺑﻌﻀﮭﺎ، وأﻟﻌﺎب اﻟفيديو ﻣستوحاة ﻓﻲ اﻷﺳﺎس من رواﯾﺎت اﻟﻮوﺷﯿﺎ.
ﺟﻤﺎﻋﺎت اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ (بياو جو 镖局) وهم ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﺴﻠﺤﺔ، ﯾﺘﻘﻨﻮن ﻓﻨﻮن اﻟﻘﺘﺎل، وﯾﻌﻤﻠﻮن ﺑﺎﻷﺟﺮ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻘﻮاﻓﻞ، أو ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﮭﺎﻣﺔ أو ﺗﺄدﯾﺔ أﻋﻤﺎل ﻏﯿﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﻟﻤﻦ ﯾﺪﻓﻊ اﻟﺜﻤﻦ
مَن هم هؤلاء الخارقون (ووشيا) ﺗﺎرﯾﺨﯿﺎً؟
ﻛﺎن ﯾﺮﻣﺰ ھﺬا اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ إﻟﻰ ﻣﻦ ﯾﻌﻤﻠﻮن ﻟﺪى اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، وﻟﻜﻨﮭﻢ اﻧﺸﻘّﻮا واﻋﺘﺰﻟﻮا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ، ﺛﻢ أﺻﺒﺤﻮا أﻗﺮب ﻟﻠﺘﺼﻮف واﻟﺰھﺪ ﻓﻲ ﻣﻠﺬات اﻟﺤﯿﺎة. ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺗﻐﯿﺮ اﻟﺰﻣﻦ ﺗﻄﻮر ﻣﻌﻨﻰ "ﺟﯿﺎﻧﻐﮭﻮ" الذي يتألف من الخارقون (ووشيا)، ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ سلالة ﯾﻮان الصينية (1271 - 1368)، وعصر سلالة ﺳﻮﻧﻎ (960م - 1279م). وأﺻﺒﺢ ﯾﺮﻣﺰ إﻟﻰ ﻣﺠﺘﻤﻊ داﺧﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وھﻮ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﻤﯿﻊ أﻓﺮاده ﺧﺎرﺟوﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎﻧﻮن، وﻟﮭﻢ ﻗﻮاﻧﯿﻨﮭﻢ وأﻋﺮاﻓﮭﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ. وﻓﻲ ھﺬا اﻟﻮﻗﺖ، ﺑﺪأ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻜﺘّﺎب ﯾﻨﺴﺠﻮن ﺣﻮل ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺟﯿﺎﻧﻐﮭﻮ ﺣﻜﺎﯾﺎت ﺧﯿﺎﻟﯿﺔ وأﺳﻄﻮرﯾﺔ، وأﺣﺪاث ﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻹﺛﺎرة واﻟﻤﻐﺎﻣﺮات.
وﺑﺤﻠﻮل اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮين، ﺑﺪأ رواﺋﯿﻮن ﯾﻀﯿﻔﻮن ﺻﻔﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﮭﺬا اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وھﻲ "ﻓﻨﻮن اﻟﻘﺘﺎل"، واﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮل ھﺬا اﻟﻨﻮع اﻷدﺑﻲ، وإﺿﻔﺎء ﻣﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻹﺛﺎرة ﻟﻤﺤﺘﻮاه. ﺛﻢ تطور ﻣﺠﺘﻤﻊ (اﻟﺠﯿﺎﻧﻐﮭﻮ) وتألفت فيه مدارس مختلفة لفنون القتال تضم كل منها محاربين أشداء، ﯾﻘﺎﺗﻞ ﺑﻌﻀﮭﻢ اﻟﺒﻌﺾ ضمن ﺛﻨﺎﺋﯿﺔ اﻟﺨﯿﺮ واﻟﺸﺮ التي لا تنتهي، والتي أصبحت مادة أدبية خصبة خرج منها هذا الإرث الأدبي الصيني على غرار حكايات أبو زيد الهلالي في الثقافة العربية الشعبية. وﻓﻲ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ، ﺗﺤﻮل ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺟﯿﺎﻧﻐﮭﻮ ﻟﯿﺮﺗﺒﻂ ﺑﺼﻮرة أﺳﺎﺳﯿﺔ ﺑـ"اﻟﻤﺎﻓﯿﺎ"، واﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن.
مجتمع الجيانغهو
يمتاز مجتمع الجيانغهو بالتراتبية الصارمة، التي يعرف كل فرد فيها واجباته وحقوقه. يأتي على رأس الهرم، اﻟﻔﺼﯿﻠﺔ أو (اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ) وھﻲ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ طﺎﺋﻔﺔ/ ﺟﻤﺎﻋﺔ، ﺗﺘﺒﻊ أﺳﺎﻟﯿﺐ ﻗﺘﺎﻟﯿﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﺎ. وﺗﻜﻮن ﺗﺤﺖ ﻗﯿﺎدة زﻋﯿم وﯾﺴﻤﻰ (ﺗﺸﺎﻧﻎ ﻣﻦ أو ﺷﯿﺦ ﻛﺒﯿﺮ). وﯾﺴﺎﻋﺪه ﻓﻲ ذﻟﻚ ﻧﺎﺋﺒﮫ (لاوتسو)، يليهما التابعون (دي ﺗﺴﻲ).
وﺗﻌﯿﺶ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ/ اﻟﻔﺮﻗﺔ ﻋﺎدة ﻓﻲ ﻣﻜﺎن واﺣﺪ، ﯾﻤﺎرﺳﻮن ﻓﯿﮫ ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ وﯾﺘﺪرﺑﻮن ﻋﻠﻰ ﻓﻨﻮن اﻟﻘﺘﺎل. وﺗﻜﻮن اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ ﻣﺤﻜﻮﻣﺔ ﺑﻨﻈﺎم ﺗﺴﻠﺴﻞ ھﺮﻣﻲ ﺷﺪﯾﺪ اﻟﺼﺮاﻣﺔ، ﺣﯿﺚ ﯾﻌﺮف اﻟﺠﻤﯿﻊ دوره ورﺗﺒﺘﮫ.
ﻧﺠﺪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن أن اﻟﺘﺎﺑﻌﯿﻦ أﯾﻀﺎ ﻣﻨﻘﺴﻤوﻦ إﻟﻰ ﻋﺪة رﺗﺐ ودرﺟﺎت طﺒﻘﺎً ﻟﻘﺪراﺗﮭﻢ اﻟﻘﺘﺎﻟﯿﺔ، وﻛﻞ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس رﺗﺒﺘﮫ ﯾﻨﺎل ﻗﺪراً ﻣﻦ اﻟﻐﻨﺎﺋﻢ واﻟﻤﺎل المنهوب. ﻓﯿﻨﻘﺴﻤﻮن إﻟﻰ ﺗﺎﺑﻌﯿﻦ أﺳﺎﺳﯿﯿﻦ (خه ﺷﯿﻦ دي ﺗﺴﻲ)، وﺗﺎﺑﻌﯿﻦ داﺧﻠﯿﯿﻦ (ﻧﻲ ﻣﻦ دي ﺗﺴﻲ) وﺗﺎﺑﻌﯿﻦ ﺧﺎرﺟﯿﯿﻦ (واي وي دي ﺗﺴﻲ).
ﺛﺎﻧﯿﺎ تأتي (اﻟﻤﺪرﺳﺔ)، وﺗﻌﻨﻲ ﻣﺪرﺳﺔ ﻓﻨﻮن ﻗﺘﺎل ذات أﺳﻠﻮب ﻓﺮﯾﺪ، وﻻ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜﯿﺮا ﻋﻦ اﻟﻄﺎﺋﻔﺔ. أما اﻷﺳﺮة (جيا) ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﺠﻤﻌﮭﻢ ﻋﻼﻗﺔ دم، وﺻﻠﺔ ﻗﺮاﺑﺔ، وﯾﺘﺒﻌﻮن أﺳﺎﻟﯿﺐ ﻗﺘﺎﻟﯿﺔ ﺗﺸﻮﺑﮭﺎ ألاعيب اﻟﺴﺤﺮ اﻟتي ﺗﻮارﺛﻮھﺎ أﺑﺎ ﻋﻦ ﺟﺪ، ويبذلون كل ﻣﺎ ﻓﻲ وﺳﻌﮭﻢ ﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ھﺬه اﻷﺳﺮار اﻟﻤﺘﻮارﺛﺔ، وﻣﻦ ﯾﺤﺎول اﻟﺨﺮوج ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺎﻟﯿﺪ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻓﮭﻮ ﻣﯿﺖ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ.
أما العصابة (بانغ)، فھﻢ جماعة ﻣﻦ اﻟﻨﺎس ﻻ ﯾﺠﻤﻌﮭﻢ أو ﯾﻔﺮﻗﮭﻢ ﺳﻮى اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ، وﻻ ﯾﺘﺒﻌﻮن أﺳﺎﻟﯿﺐ ﻗﺘﺎﻟﯿﺔ ﻣﻮﺣﺪة. ويوجد أيضا اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﺴﺮﯾﺔ (هوي)، والتي ﺗﻤﺎﺛﻞ ﻓﻲ طﺒﯿﻌﺘﮭﺎ وﺗﻨﻈﯿﻤﮭﺎ اﻟﻨﻮع اﻷول (اﻟﻔﺼﯿﻠﺔ)، وﻟﻜﻦ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ أﻧﮭﺎ ﺗﻜﻮن ﺳﺮﯾﺔ، وﯾﻤﺎرﺳﻮن ﻋﺎدات ﺧﺎﺻﺔ ﺑﮭﻢ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ اﻹﯾﻤﺎن اﻟﺪﯾﻨﻲ.
ويوجد أيضا في مجتمع جيانغهو ﺟﻤﺎﻋﺎت اﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ (بياو جو) وهم ﺟﻤﺎﻋﺎت ﻣﺴﻠﺤﺔ، ﯾﺘﻘﻨﻮن ﻓﻨﻮن اﻟﻘﺘﺎل، وﯾﻌﻤﻠﻮن ﺑﺎﻷﺟﺮ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﻘﻮاﻓﻞ، أو ﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﺸﺨﺼﯿﺎت اﻟﮭﺎﻣﺔ أو ﺗﺄدﯾﺔ أﻋﻤﺎل ﻏﯿﺮ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﻟﻤﻦ ﯾﺪﻓﻊ اﻟﺜﻤﻦ.