يوبي.. ماكينة الراب الجزائري

03 يوليو 2024
+ الخط -

لعلّ أكثر ما يجذبُ جمهور الراب ومستمعيه حول العالم هو فن الكلاش أو البيف الذي يحصل بين مجموعةٍ من مُغنّي الراب، وهو الأمر الذي يمكن أن نقارنه بالمبارزات الشعرية والهجاء الذي كان سائدًا عند العرب في أزمنةٍ مختلفة، حيث عرفنا عددًا من النماذج في هذا اللون الشعري، أهمها النقائض التي قامت بين الشاعرين، جرير والفرزدق.

والراب، باعتباره فنًا كلاميًا أكثر منه طربيًا، يبقى المتميّز والأقوى كتابةً فيه، هو الفحل بلغةِ الشعر، إذ إنّ قصيدة الراب لها شروطها وقواعدها وقوالبها.

إنّ المتابع للراب الجزائري يعرف أنّه عاش بعض الركود في الآونةِ الأخيرة، حتى أصدر مغني الراب يوبي youppi أغنيته الأخيرة بعنوان "فيجيتورا / Futijora"، والتي استعرض من خلالها قدراته الرهيبة في الهجاء والذم، بعدما قام بمهاجمة أربعة عشر مغنّي راب آخر من خلال التهكّم والسخرية تارة، والتوعّد والسبّ تارةً أخرى، كما استغل بعض المساحات الأخرى لمدحِ آخرين والتفاخر بموهبته في الكتابة، وفي الكلاش (القصف أو الهجاء).

هذه الأغنية هي العتبة الأولى التي ينبغي أن نقف عندها حتى نتمكن من الدخول لقصيدة وكليب يوبي الذي اختار شخصيةً من عالم الأنمي والمانغا (القصص المصوّرة) اليابانية، وهو الأدميرال إيشو، والمعروف باسم "فيجيتورا" في رمزيةٍ لقوّته في البحرية، وإعجابًا بشخصيته المُميّزة باعتباره مؤمنًا بالعدالة الأخلاقية، ومتصالحًا مع نفسه ومع رجاله.

استلهامُ شخصيةٍ من عالم ون بيس (سلسلة قصص مصوّرة يابانية) الذي يلقى رواجًا في أوساط الشباب ويحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ هو ذكاء في خلقِ تداخل بين جنسين مختلفين ومتباعدين ثقافيًا (الراب الأميركي والقصص المصوّرة اليابانية "المانغا") لكنهما يهدفان لمعالجةِ نفس الظواهر الاجتماعية المختلفة.

الحُكم على أنّ الراب وثقافة الهيب هوب عمومًا، هما "مُفسدان للأخلاق" أصبح يحتاج لإعادةِ النظر والاستئناف في الحكم

وظهر هذا التداخل كذلك على مستوى الكليب، حيث ركز على الكليشيهات بشكلٍ واضح، وكأنّه يقدّم مجموعة من القصصِ المصوّرة، مع إدراجٍ لصور المغنين الذين هجاهم ومدحهم في محاولةٍ لاستفزازهم بشكل أكبر وتأكيدًا لجرأته في المواجهة.

لقد أبان يوبي في منجزه الأخير عن قدرةٍ رهيبةٍ على مستوى الكتابة، وعلى مستوى الأداء مع أنّه ظلّ محافظًا على نفس التوجّه الإيقاعي، مثبتًا أنّ الراب هو قصيدة شعرية قبل أيّ شيء آخر.

إنّ هذا العمل الذي دخل إلى قائمةِ الترند على منصّة يوتيوب في أقل من ساعتين، وحصد أكثر من 700 ألف مشاهدة في أقلّ من أسبوع، أظهر لجمهور الراب بالدرجةِ الأولى، ولغيره من المهتمين بالموسيقى والفن بصفة عامة، أنّ مغنّي الراب هو شاعر هذا العصر باللغة التي يفهمها جمهور اليوم، والحُكم على أنّ الراب وثقافة الهيب هوب عمومًا هما "مُفسدان للأخلاق" أصبح يحتاج لإعادةِ النظر والاستئناف في الحكم.

وممّا استوقفني في الأغنية أيضًا مدح يوبي لعددٍ من الأسماء في الراب الجزائري، معترفًا بمواقفها معه ومستذكرًا أمجاد آخرين ممن يُحسبون على المدرسةِ القديمة في الراب الجزائري.

وفي النهاية، يمكن أن نقول إنّ يوبي حقّق نجاحًا باهرًا في عمله الأخير من كلّ الجوانب، وتفوّق في هجائه حينما هجا، وفي مدحه حينما أثنى، وفي الفخر حينما عدّد أعماله، ليكون بذلك واحدًا من أهم مغنّي الراب في الجزائر، وفي الراب العربي عمومًا. وإذا ما وضعنا هذا العمل في ميزان النقد الفني، فإنّ يوبي أعطى شارة انطلاق لعبة الراب لهذا الصيف.

سمير رابح
سمير رابح
كاتب وناقد مسرحي من الجزائر، له عدّة نصوص مسرحية ومساهمات في الصحف الجزائرية، خريج قسم الأدب، تخصّص دراسات نقدية، ومتحصّل على ديبلوم الكتابة الدرامية. يعبّر عن نفسه، بالقول: "أنا لا أكتب رغبة في الكتابة، بل أكتب عمّا يهمني من الأشياء".