يحدث في أميركا فقط (9)

في بابها الأسبوعي (فقط في أميركا) الذي ينشر في كل أسبوع الأخبار التي لا تسلط عليها وسائل الإعلام الضوء الكافي برغم غرابتها ودلالاتها، نشرت مجلة (The Week) في طبعتها الأمريكية الأخبار التالية والتي يمكن أن يحدث بعضها في غير أمريكا، لكن اختيار العنوان نفسه له دلالة تتعلق بالتصورات الشائعة لدى أغلب الأمريكيين عن بلادهم وكيف يجب أن يكون عليه شكل الحياة فيها، أترككم مع مجموعة جديدة من تلك الأخبار:

ـ قامت إدارة إحدى المدارس الثانوية بولاية فلوريدا بعمل تعديلات "بالفوتو شوب" على صور أكثر من 80 طالبة في الكتاب السنوي للمدرسة، لتغطية أكتافهن العارية ومطالع نهودهن أو ما بينها، وبرر مسئولو مدرسة بارترام تريل ما فعلوه بالقول إن صور الفتيات خالفت كود اللبس وقواعد السلوك التي تفرضها المدرسة، لكن بعض فتيات المدرسة أعلنّ احتجاجهن على القرار مشيرين إلى أن المسئولين لم يقوموا بأي تعديلات على صور الأولاد في الكتاب السنوي، بما فيها صور فريق السباحة الذي يرتدي مايوهات ضيقة تظهر أعضاءهم الذكرية، وهو ما اعتبرته الفتيات تحيزاً ذكورياً يهدف لدفع الفتيات للشعور بالخجل من أجسادهن.

ـ رغبة في تكبير الدماغ وترويق البال، قررت إحدى الإدارات التعليمية بولاية نيوجرسي أن تحذف أسماء جميع العطلات الرسمية من تقويم المدارس التابعة لها ومكاتباتها الرسمية لكيلا تجرح شعور أحد من أولياء الأمور والطلبة والمدرسين. تم اتخاذ القرار بعد اجتماع صاخب شهدته الإدارة بسبب قرار تغيير اسم (يوم كولومبوس) إلى (يوم السكان الأصليين) وهو القرار الذي تم اتخاذه في الكثير من المدارس عبر أمريكا وأثار غضب المحافظين الذين تشعرهم مثل هذه القرارات بالتهديد، بعد الاجتماع قررت الإدارة ألا تكتب أسماء أيام الإجازات، بل تكتب فقط "عطلة رسمية" أمام اليوم حفاظاً على مشاعر الجميع، وتوفيراً لطاقتهم من أجل معارك أخرى قادمة.

قام جوناثان هولاوي رئيس جامعة Rutgers في ولاية نيوجرسي قبل أسابيع بإصدار بيان يعلن فيه إدانته لتصاعد الأعمال المعادية للسامية في الولايات المتحدة

ـ أغرب رد فعل على الاحتفال بيوم إنهاء العبودية في الولايات المتحدة والذي يعرف باسم Juneteenth بعد أن قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعلان تحويله إلى إجازة رسمية، جاء بعد أن قررت إدارة أحد فروع شركة IKEA للأثاث الكائنة في مدينة أتلانتا تخصيص قائمة طعام احتفالية لموظفيها في هذا اليوم تتكون من مجموعة من الأكلات المشهورة بين الأمريكيين من أصل أفريقي مثل الدجاج المقلي والبطيخ وسلطة البطاطس والمكرونة بالجبنة، ولم يكن مسئولو الفرع يتوقعون أن ذلك سيثير احتجاج الموظفين السود في الفرع والذين نظموا مظاهرة سرعان ما وصلت أخبارها إلى وسائل الإعلام التي أصبحت "تتنشّق" على أي فرصة لإثارة الجدل بعد رحيل ترامب، ولذلك اهتمت بغضب الموظفين الذين قال متحدث باسمهم إنهم غضبوا بسبب الاستسهال واللجوء إلى الصور النمطية وعدم إدراك أن البطيخ كان يقدم كبديل رخيص للعبيد خلال عملهم الشاق في الولايات الجنوبية، وهو ما دفع إدارة الفرع لاعتذار رسمي مؤكدين حسن نيتهم وقيامهم باختيار قائمة الطعام بالتنسيق مع موظفين من أصل أفريقي بالتأكيد لن يتم أخذ رأيهم بعد ذلك في أي شيء.

ـ في ولاية نيفادا قام مجموعة من أولياء الأمور المحافظين بمطالبة المدرسين في مدارس الولاية بارتداء كاميرات على أجسامهم خلال قيامهم بالتدريس ليتأكد الأهالي من أنهم لن يقوموا بتدريس أبنائهم آراء ليبرالية خلافية مثل "نظرية العِرق النقدية" التي يشتعل بشأنها الخلاف في كل ولايات أمريكا منذ فترة. كارين إنجلاند مؤسسة التجمع المحافظ المعروف باسم Nevada Family Alliance قالت إنها تلقت تقارير تقول إن بعض المدرسين يقومون بتعليم التلاميذ أشياء تناقض ما يعلمه لهم الآباء والأمهات في المنازل خصوصاً في مسألة العِرق، وحرصاً على ألا يتم ظلم أحد، سيتم تركيب الكاميرات على أجساد المدرسين ليتم تفريغها بعد ذلك ومحاسبة المدرسين الذين يتجاوزون حدودهم ويخرجون على النص.

ـ في تعبير عن الموقف المشتعل في العديد من الجامعات الأمريكية منذ اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة والعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في الأقصى وغزة، قام جوناثان هولاوي رئيس جامعة Rutgers في ولاية نيوجرسي قبل أسابيع بإصدار بيان يعلن فيه إدانته لتصاعد الأعمال المعادية للسامية في الولايات المتحدة، وحين احتج العديد من الطلاب المؤيدين للفلسطينيين على البيان واتهموه بالتحيز ضد الفلسطينيين، أصدر رئيس الجامعة بياناً يعتذر فيه عن لهجة البيان، ويتعهد بأن تكون التصريحات القادمة الصادرة عنه أكثر حساسية واتزاناً، ليثير بيانه غضب العديد من داعمي الجامعة وأساتذتها وطلابها، فيصدر بياناً توضيحياً ثالثاً يعلن فيه بلهجة أكثر قوة أن الجامعة لم ولن تعتذر أبداً عن إدانتها للأفعال المعادية للسامية، وحتى الآن لم أقرأ عن صدور بيان رابع في المسألة، لكن لا أستبعد صدوره.

ـ بعد أكثر من خمسة وسبعين عاماً على اشتراكه في الحرب العالمية الثانية وإصابته فيها، حصل مقاتل أمريكي من أصل أفريقي عمره تسعة وتسعين عاماً على وسام القلب الأرجواني الذي يمنح لأبطال الحروب والمصابين فيها، كان المقاتل أوسكيولا فليتشر قد شارك في معركة نورماندي حين كان عمره 22 سنة، وكان يقوم بإيصال الإمدادات إلى جبهة القتال حين قام صاروخ ألماني بضرب سيارته فقتل سائقها وأصيب فليتشر بجرح في رأسه، لكنه لم يُكرّم مثل بقية زملائه، وبعد أن قام برحلة إلى شاطئ نورماندي مع ابنته قبل سنوات واستعاد ذكريات المعركة، قرر فليتشر ألا يواصل السكوت على حقه، وقادت ابنته والعديد من أقاربه حملة للمطالبة بمنحه وسام القلب الأرجواني الذي يستحقه، وبعد سبع سنوات من بدء الحملة، قامت فيها وزارة الدفاع بالتحقق من اشتراكه في المعركة، تم تقليد فليتشر الوسام في الأسبوع الماضي فقط، ليأتيه الوسام متأخراً ولكن قبل فوات الأوان.

ـ حين أعلنت سلسلة مطاعم الدجاج الشهيرة Chick-fil-A عن تحديد أكياس الصوص التي تباع مع كل طلب بحيث لا تزيد عن كيس واحد مع كل طلب، أثار القرار ردود فعل ساخطة من زبائن السلسلة المفتونين بالطعم الخاص لأكلات المطعم، ومع أن إدارة سلسلة المطاعم قالت إن القرار مؤقت ومرتبط بظروف خاصة في التصنيع والتوزيع سيتم حلها قريباً، لكن الجمهوريين كعادتهم قرروا لوم الديمقراطيين والرئيس جو بايدن على هذا الحدث الذي يعتبره الملايين من زبائن السلسلة كارثياً، فقالت عضوة الكونجرس الجمهورية لورين بويبرت في تصريح لها "هل هناك حد للبشاعة التي يمكن أن تصل إليها أمريكا في ظل حكم بايدن؟"، أما السيناتور الجمهوري تيد كروز فقد اعتبر قرار تحديد الصوص دليلاً جديداً على أن "بايدن يدمر أمريكا"، وإذا كنت تعتبر أن التصريحين جاءا على سبيل الهزار فأنت للأسف غلطان، وإذا كنت تستغرب هذه الضجة المثارة على أكياس الصوص هذه فأنت لم تدرك بعد مدى تعلق الأمريكان بتوافه الأمور خصوصاً حين تتعلق بالفراخ المقلية.