وفي الزلازل أنواع

12 فبراير 2023
+ الخط -

يعيش الناس، يسعدون، يشقون، يفرحون ويحزنون، وبين فترة وفترة يموت بعضهم ويزداد بعضهم، الكل يعيش في منزله مستقلاً بشؤونه، ومتواصلاً مع غيره في حدود المصالح الضرورية.

هكذا يعيش الناس عموماً تحت إشراف حكومات تهتم بشؤونهم بشكل أو بآخر، إلا أنّ الحياة لا تسير في خط مستقيم تعلم بدايته ونهايته بحيث نستطيع أن نستعد للمفاجآت التي ستطرأ بعد مدة محددة.

وبذلك يعيش الناس مستسلمين لأقدارهم بخيرها وشرها.

الناس يحتفلون، يسافرون، يسبحون، يصلون، يتزوجون، يلدون، لكن حكمة الخالق جعلت الكون مجالاً للاختبار، مجالاً مكانياً ومجالاً زمنياً، وكل فرد متبوع بيوم ستنتهي فيه حياته كما انتهت حياة الآخرين بعد أمد طويل أو قصير بمقاييسنا الضيقة. والحياة بهذه الصفة لحظة قصيرة لعيش فرد من الأفراد، وسواء جاءه الموت ليرحل به وحيداً، أو ضمن مجموعة من أمثاله بمختلف أعمارهم وصورهم.

الحروب تميت العشرات والمئات تحت قبة السياسة التي لا تراعي المشاعر. فكثيراً ما قصفت الأعراس بسلاح الاحتلال في فلسطين، وفي أفغانستان، وفي اليمن، فالغاية تبرر الوسيلة رغم فظاعة هذه الغاية المبنية على الأناية المغرضة، والأحقاد القاتلة للعواطف.

الزلازل تأتي على حين غرة لتجعل الأرض تبتلع ما عليها، المنازل بأهلها، المؤسسات بموظفيها وزبائنها، الشوارع بمؤثثاتها.

وهنا يتحرك الإعلام، ويبدأ الاختبار، فهناك من يتخذ الواقع شماتة فيفرح وكأنه المنتصر المحدث للتخريب الحاصل، يشعر بالانتصار الذي لم يبذل فيه رصاصة ولا روح جندي، يشعر بالانتصار لأنه يعتقد أنه بعيد عن احتمال إصابته بنفس ما وقع.

وهناك من يهرع للمساعدة والمواساة، والمدهش أنّ من الأعداء من يسدون خدماتهم في المساعدة للمنكوبين في دولة بينها وبينه صراعات امتدت لسنوات.

إن كل ما يكدر صفو الحياة، وينغص هدوء النفس، ويشعر بالهمجية، يعد زلزالا

لقد كان لكورونا قبل هذا الزلزال وقع غيّر الكثير من التوقعات، والأمزجة، والأفكار، فاستعادت البيئة بعض حيويتها، وانتشر فعل الخير عبر المساعدة للمعوزين الذين انقطعت أجورهم بانقطاع وظائفهم وأعمالهم.

والإعلام يتحدث عن مشاهير أتراك وسوريين وغيرهم في العالم يتبرعون بأموال طائلة لصالح المنكوبين في هذا الزلزال العنيف.

وهنا يطرح السؤال، فلماذا لا يسود هذا التضامن والمساندة قبل أن يقع الزلزال، علماً أن الزلزال باعتباره محنة لا يختلف عن زلازل بأشكال أخرى، فأكل أموال العمال بالغش والباطل زلزال، والاعتداءات اليومية على الأبرياء زلزال، وفرض سياسات القمع والاستعباد زلزال، وهضم حقوق الأطفال والنساء زلزال، والاغتصابات التي تطاول البعض زلزال، وغلاء المعيشة زلزال.

فإذا كان "الزَّلْزال أو الهَزَّة الأَرْضِيَّة ظاهرة طبيعية تتعلق باهتزاز أو سلسلة من الاهتزازات الارتجاجية المتتالية لسطح تحدث في وقت لا يتعدى ثواني معدودة، والتي تنتج عن حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية" فإن كل ما يفقد التوازن النفسي والاجتماعي والاقتصادي للإنسان يعد زلزالاً بمعنى ما.

إنّ ادعاء الديمقراطية والالتزام بحقوق الإنسان والعمل على تحقيق السلم والأمان عبر المنظمات والجمعيات والهيئات ما يزال صعب المنال في عالم تتقاسمه الصراعات المغيبة لمصلحة الإنسان كفرد يريد أن يعيش العمر المقدر له بعيداً عن المنغصات التي تزلزل كيانه وتفقده توازنه، ليفقد فرحته، وتتحول بسمته دمعة لا من يسمعها ولا من يساعد صاحبها. فكما تبتلع الأرض أهلها بالزلازل والأعاصير، والفيضانات بدون تفريق بين الأعمال والأنساب والأحساب، نجد الحروب تقوم بنفس الأمر وبإرادة أهلها، ليموت البعض، وينجرح البعض، ويعوق البعض.

إن كل ما يكدر صفو الحياة، وينغص هدوء النفس، ويشعر بالهمجية، يعد زلزالاً.

أتذكر أنّ أسرة كانت تعيش في سكينة وهدوء رغم وضاعة أحوالها المعيشية، وبعد أعوام كثيرة، جاء أحدهم فادعى أنّ المنزل الذي تقطنه هذه الأسرة مسجل باسمه، فنزل عليها هذا الادعاء كالصاعقة، أغشي على الأب، وأصيب بشلل نصفي، وماتت الأم بنوبة قلبية، وتشرد الأولاد والبنات، في الوقت الذي انهدم فيه منزلها الوضيع لتبنى مكانه "فيلا" جميلة بكل المقاييس.

أليس هذا زلزالاً، أم أنه أكثر حدة من الزلازل الطبيعية التي لا دخل للإنسان فيها؟

دلالات
لحسن ملواني
لحسن ملواني
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني

مدونات أخرى