هل يوجد اليوم رأي عام؟
تنحرف السّياسة اليوم نحو الشّعبويّ وطغيان الرّأي على حساب التّفكير والتّفكّر، ونحو الفردانيّة على حساب الصّلة الاجتماعيّة، فهل يوجد اليوم رأي عامّ؟.. ينطبق هذا السّؤال على أعرق البلدان تاريخيًّا في الدّيمقراطيّة.
الدّيمقراطيّات اليوم في العالم، وعلى رأسها الدّيمقراطيّات الرّاسخة، مهدّدة بسبب التّراجع في أساسيّات الأخلاقيّات الإعلاميّة، لأنّها تطوّرت على اعتبار أنّ المواطن العاديّ يتمتّع بدرجة من المعرفة والوعي والإدراك.
هذه الأساسيّات قد تنتج أجيالًا من الإعلاميّين العاجزين عن مجاراة الانحرافات الشّعبويّة، وعن التّحرّر من هاجس الخبر العاجل والسّبق الصحفيّ، وغير القادرين على الغوص في الاستكشاف والتّحليل والعمق والاستقصاء عن الوقائع والحالات، مساهمة منهم في تكوين الفرد الاجتماعيّ، وتكوين المعرفة التي لا تختزل بمعلومة أو معلومات مبعثرة وغير موثوقة.
نحتاج إلى التّركيز على مفهوم الشّأن العام الذي تطغى عليه الفردانيّة على حساب الصّلة الاجتماعيّة، وإلى إعلام تمكينيّ يعيد النّظر إلى الحدث
يوجد اليوم آراء فرديّة منتشرة ومبعثرة بفوضويّة في السّاحات العامّة، تتناقلها وسائل إعلام معروفة، وتفتقر إلى التّدقيق والمنهجيّة والتّحقّق والاستكشاف. ويمارس النّاس على مواقع التّواصل الاجتماعيّ الشّكوى والتّذمّر و"النّق" و"فشّة الخلق" والتّعبير الفرديّ -غالبًا- خارج إطار مجتمعيّ، وهي فيما يتعلّق بالخبر والمعلومة، قريبة من "القيل" و"القال" والإشاعات وصالونات الأصدقاء ودردشات الجيران.
نعيش في عالم طغيان الرّأي، أي ما هو متداول في وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ، ويتبنّاه إعلاميّون يعتبرون أنفسهم الصّوت الوطنيّ الأصيل وممثلي المواطنين العاديّين.
بعد التّحوّلات، سوف تبرز يقظة إعلاميّة ديمقراطيّة في سبيل تصويب المسار، إلى جانب الحفاظ على أساسيّات العمل الإعلاميّ، ففي عالم يجتاحه إدراك بالعجز والإحباط وعدم القدرة، نحتاج إلى التّركيز على مفهوم الشّأن العام الذي تطغى عليه الفردانيّة على حساب الصّلة الاجتماعيّة، وإلى إعلام تمكينيّ يعيد النّظر إلى الحدث، وإلى كلّ فعل إيجابيّ مؤسسيّ يثير التّماثل والاقتداء، ويجعل منّا أفرادًا اجتماعيّين مشاركين في رأي عامّ وطنيّ.