هل يجب أن تكون عظيماً؟
"كن عظيماً، أو لا تكن!".
بعبارات مثل هذه، يُثقِلنا هذا العصر بضرورة أن نحقّق شيئاً عظيماً، وأن نكونَ شيئاً كبيراً، يُقدَّر حجمه بمدى الألَق وعددِ النّاظرين.
قدوةٌ تُتَّبع، مَثَلٌ يُحتَذى به، قائدٌ لجموعٍ كبيرة، حتى لو كانت الجموع الكبيرة أرقاماً على الصفحات الشخصية! وكأن هذا هو غاية وجودنا؟!
وهكذا، يؤذينا في كلِّ يومٍ أننا لم نصل، ولم نقترب أن نكون ذلك الشخص العظيم.
فهل يجب علينا حقا أن نكونه؟
لم يعد أحد منّا يقتنع بدوره (على أهمية كلّ الأدوار) لأنه ليس دور البطل، وبات الكثير يزهد في عمله (على حاجتنا لكلّ الأعمال)، لأنه ليس المدير، بل أصبح الكثير منّا يزدري منصبه (على ضرورته) لأنه ليس القائد!
ولو كان خالقنا سبحانه يعلم أنّ في الخير لنا أن نكون كلّنا قادة، لأنشأنا كذلك وهو عليه هيّن. فلماذا لا نقبل أدوارنا ونعطيها حقها بدل محاولةِ أن نكون شخصاً عظيماً؟
وهل يجب علينا حقاً أن نكون؟ وهل كانت ستقوم قائمةٌ في الدنيا لو كان الناس كلهم "كباراً"؟ وهل كان كل الناسِ في جيش صلاح الدين الأيوبي صلاحاً؟ وهل كان كلّ الصحابةِ أبا بكراً وعُمَر رضي الله عنهما؟
فالقائد لا يكون بدون أناسٍ يتقنون أعمالهم التي أُوكلوا بها، ولا يقلّ دورهم عن دوره في البناء الشامل، فليس هو بدونهم وليسوا هم بدونه شيئاً، ولو ترفّع كلٌ منهم عن عمله، لما قام لهم بنيان، كسقفٍ لم يكن ليعلو بنقصان أحد الأحجار من حوله.
كلٌ مسخّرٌ في مكانه، وكلٌ له قدراتٌ يجب عليه أن يصل إلى تمامها
وإنني أدرك سلامة النية عند الكثيرين ممن ينشدون ذاك المنصب العظيم، إذ يكون هدفهم الإصلاح والتغيير. ولكنهم من حيث لا يعلمون، يحمّلون أنفسهم فوق ما يطيقون، وفوق ما هو مطلوبٌ منهم في مسيرة البناء.
فكلٌّ مسخّرٌ في مكانه، وكلٌّ له قدراتٌ يجب عليه أن يصل إلى تمامها،لا أن يرهق نفسه في أن يجاري قدرات فلانٍ الذي لا بدّ أن الله قدّر اختلافه عنه لسبب وحكمة بالغة.
الحمد لله أنك لست مثلي، والحمد لله أنني لست مثله، والحمد لله أنّ كلّ اختلاف فينا يكمّلنا ويجعل منّا وحدةً كبيرةً لبناء هذه الأرض. فماذا لو أحسن كلّ واحد منّا في مكانه، وأدّى ما عليه كأفضل ما يكون، وغضضنا الطرف عن تفوّق غيرنا وركّزنا على ما ميّزنا الله به، ففرحنا به وشكرنا الله عليه بأن طوّرناه وعملنا به، ونظرنا بنظرةٍ أشمل، وشعرنا بأهميّة كلّ الأدوار والمناصب والمهمات.. حينها فقط سنكون كلّنا، كوحدةٍ متكاملة، عظاماً. وحينها فقط، سننظر إلى تفوّق غيرنا على أنه دعمٌ لتفوقنا وقوّة تسندنا وتكمّلنا، فيكون تميزّهم مدعاةً لابتهاجنا، لأننا خرجنا من أن نكون أشخاصاً عظماء إلى أن نكون أفراداً مهمّين في أمةٍ عظيمة.