هل قلت حيوانات بشريّة؟
هي حكاية تتناول طرفين يتنازعان وجوديًّا، ما بين حقِّ الامتلاك وبُطلانه، أحدهم أصلاني يعاني الصعاب في مقاومةِ التنغيص والتعذيب الذي يمارسه الآخر عليه، والآخر يحاول الاستحواذ على كلّ ما هبّ ودبّ أمامه بِغير نَفْس، وبشهوانيّةٍ مُفرطة لا وازع لها، يُمارس خلالها كافة ألوان التعذيب الذي يتمحور أساسًا حول ملذّةٍ لا تقبع سوى في تلك النفس اللاسويّة بتاتًا، يُطلِق عنانها على عدوّها "المُخرِّب" بكلِّ بدائيّة.
هذه الحكاية ما هي إلا تجسيدٍ لأحداثٍ من الواقع الفلسطيني المغمورة عدّة جوانب منه في مستنقع البروباغندا الهالِكة، تلك الجوانب التي تضمّ هُواة شهوانيين في كلّ لحظةٍ تسنح لهم الفرصة باستحضارِ شهوتهم الحيوانيّة الكامنة لممارسةِ كافة أشكال التحرّش الجنسي التي ترتقي للاغتصاب أحيانًا، ولا تتقبّل النفس السويّة سماع أو مشاهدة تلك الأحداث، إن تمّ إيصالها للعلن، اللهم إلّا من يتقبّل مشاهدتها في إطار أفلام الفانتازيا، أو مرض الأفلام الإباحيّة الساديّة بشكلٍ صريح.
إذًا، وبكلِّ سُخريّةٍ تراجيديّةٍ، لا حاجة لمتابعةِ أفلام الإثارة، وما يُستخدم عادًة من مبالغة في تصوير مشاهد ولقطات معيّنة لاجتذاب الجماهير واستثارة اهتمامهم بغرض التشويق، في ظلّ وجود ما يتم تصويره أو تسريبه أحيانًا من وقائع مُخِلّة خارجة عما يُسمّى "أصول" الحرب والاحتلال، والاعتقال كذلك إن وجدت، بما تحمله الأخبار والمواد المصوّرة من حقائق لممارساتٍ لا تقتصر على أنّها خادشة للحياء فقط، وإنّما خادشة للجسد والقيمة الإنسانيّة، يظل وَقعها على الإنسان محفورًا لا يزول، وفي هذه الحالة لا يحقّ للكاتب، أو المخرج، وضع العبارة التي يُخلي من خلالها مسؤوليّته "هذه الأحداث لا تمُسّ الواقع، وإن تشابهت مع شخصيّات حقيقيّة"، كتنويه بِمحض التصادف، وتأكيد على مُخيّلة الكاتب.
ممارساتٍ لا تقتصر على أنّها خادشة للحياء فقط، وإنّما خادشة للجسد والقيمة الإنسانيّة أيضاً، ويظل وَقعها على الإنسان محفوراً لا يزول
أمّا تلك الوقائع، فتشمل كلّ الممارسات المُتّبعة بحقِّ المُعتقلين الفلسطينيين، سواء داخل السجون نفسها، أو خارجها، حين يتمّ تفتيشهم ومحاولة اعتقالهم أثناء الاجتياحات، وهنا يكمن المزج ما بين الإيحاء الجنسي والتحرّش الصريح، ناهيك عن الاغتصاب المباشر في المعتقلات، سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا، صغارًا وكبارًا، بمختلف الأدوات المُباحة، كخرطوم مطفأة الحرائق التي شهدها أحد الأسرى في سجن عوفر، أو استخدام الصعقات الكهربائيّة وتسليطها بشكلٍ مباشر نحو الأعضاء التناسليّة، فكلّ شيءٍ مُباح ومُستباح، خاصًة إذا توفّر ما يجعلهم يمارسون الرذيلة بكلِّ أريحيّة مطلقةٍ، فمَن هم "الحيوانات البشرية" في واقع الأمر؟
حين تكون الغاية الأساسيّة في محاولة الوصم الذي ما هو إلا وَسم على الجسد الفلسطيني، هي الوصول للنشوة، وكأنّها ضمن الشروط التي يجب أن يتم استيفاؤها في كلّ مُعادٍ مُجنّد بغضِّ النظر عن جنسه، من شهوةٍ في التعذيب والتشويه بكلِّ متعةٍ، كمُتسلِّطين مُخَلَّصين من مسؤوليّةٍ أو جريمةِ انتهاكِ حقوق الإنسانيّة المؤدلجة في الواقع، وإن صحّ التعبير، المقولبة في قالبٍ معيّن، لا بدّ لمن يستحقها أن يستوفي الشروط المطلوبة إن توافرت فيه كذلك.
ذلك ما يستحيل أن يتفوّه به العامة؛ حياءً، سوى لأسباب علميّة في النقاشاتِ مثلًا، هو ذاته ما تتم ممارسته والمراوغة حوله، بكلِّ ما تعنيه الممارسة البدائيّة من معانٍ، إلى حين إشباع الشهوة الحيوانيّة الشَّرِهة. مرّة ثانية: من هم الحيوانات البشرية حقًا؟