هل أنت عبود عبد العال؟
ما زلتُ أحكي للأصدقاء، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، فصولاً من سيرة صديقي الظريف "أبو سمرة". كانت أول حكاية عن الضيوف الذين جاؤوا من حمص، والثانية عن سليم بيك المهبول الذي يزعم أنه من "العدلية"، وأما الثالثة فكانت عن ضيف اسمه أبو يعقوب، لم يتمكن من زيارة أبو سمرة، لأن هذا الأخير كان منهمكاً في تعلم العزف على الكمان (الكمنجة)، ولم يرغب في استقباله، ليقينه أنه إذا دخل فلن يغادر قبل ثلاث ساعات، وسيلهيه عن عزفه، لذلك أوصى والدته بأن تكذب عليه، وتقول له إن أبو سمرة غير موجود حالياً في الدار، ولكن أبو يعقوب سرعان ما كشف الكذبة، لأنه، قبل أن يطرق الباب، كان يسمع صوت معزوفة "بالفلا جمالي ساري" التي كان أبو سمرة يتدرب عليها، مما اضطره لأن يقول كلاماً غير لائق لأم سامر: علي الطلاق عم تكذبي، إبنك موجود وهلق كان عم يدق ع الكمنجة.
أم سامر: أنت غلطان يا روحي، أنا اللي كنت عم أعزف ع الكمنجة، لأن سامر مو هون.
أبو يعقوب: يا ياب على هالكذبة! علي الطلاق إنتي ما بتعرفي تدقي ع طنجرة الطبيخ، بقى بدك تدقي ع الكمنجة بالفلا جمالي ساري؟ على كل حال، لا تسلمي لي على إبنك "أبو سمرة"، وقوليله أبو يعقوب ما راح يسكت على هالفصل الناقص.
وغادر المكان.
حنان: توعّده بأنه ما راح يسكت، معناها الحكاية ما انتهت.
أبو سمرة: أي كذبة يا رجل؟ أنا بكذب؟ مستحيل. بصراحة الموضوع كان فيه شوية إحراج، وأنا ما كنت مفكر إحكيه. لكن طالما إنتوا جيتوا صار لازم إحكيه
أبو المراديس: طبعاً ما انتهت، وتعقدت. أبو يعقوب في هداكا اليوم ما رجع على داره دغري، عمل جولة على الأصدقاء المشتركين بينه وبين أبو سمرة، وحكى لهم الشي اللي صار معه بالتفصيل الممل، ولما صديقه أبو نادر استغرب وقال إنه مو معقول أبو سمرة يعملها، كان راح يطق عقله، وقال لأبو نادر: أبو سمرة ما بيعملها؟ يعني أنا اللي عم أكذب؟ طيب تعال معي (وحاول أن يجره من يده) خلينا نروح وندق عليه باب الدار، إذا ما بتطلع أمه وبتقول لك إنه هيي اللي كانت عم تدق ع الكمنجة ما بكون أنا أبو يعقوب. خيو، هادا أبو سمرة، من شي أسبوعين راح عَ حلب منشان التعزية بخاله، بعدما انفضت التعزية عطته مرت خاله كمنجة المرحوم، هدية، ببلاش. الأفندي صار عنده كمنجة فكر حاله صار "عبود عبد العال" أو صبحي جارور، ونحن صرنا بنظره فلح (يعني فلاحين)، يعني إذا بيفتح لنا باب الدار وبيخلينا ندخل ونشرب عنده كاسة شاي بيقل مقداره، معقولة فنان محترم يقعد مع ناس شنترحفانا وشنشئي لئّي (عبارات محلية تدل على ضعف المستوى الاجتماعي)؟..
أبو ماهر: مصيبة راح تنزل على راس أبو سمرة. الهيئة إن هالكذبة راح تكلفه كتير.
أبو المراديس: نعم. صحيح. وأبو سمرة أحس بالعطب.. وتاني يوم أجا لعنده ابن أخته "وجيه"، وحكى له على الحملة الدعائية الواسعة اللي عم يشنها عليه أبو يعقوب، وحذره من تبعاتها.. بوقتها قال لأمه: والله يا يام القصة لاصت. منشان هيك أنا راح أعتكف في البيت، وبعد أمرك أنا بدي أقعد في غرفة النوم، لأنها جوانية، يعني إذا حدا بيدق باب الدار قولي له إني مو هون وأنتي متطمنة، لأنه مو ممكن عزف الكمنجة ينسمع من الغرفة اللي جوة.
أم سامر: ولأيمتا بدك تبقى حابس حالك في الدار؟
أبو سمرة: أحسن يام أحسن، بلكي إذا طولت بتعلم الدق ع الكمنجة وبشوف لي شي فرقة موسيقية بشتغل معها في الأعراس، وبيصير عندي دخل نعيش منه، مو أحسن ما عم نعيش على مساعدات عمي؟
أم سامر لا توافق بالطبع على أن يشتغل ابنها الوحيد كمنجاتي في الأعراس، وهي تسمع أشياء كثيرة عما يجري في الأعراس من مشاكل، يحصل خلالها ضرب بالكراسي، وأحياناً يطلق بعض الحاضرين النار في الهواء، فإذا ارتجفت يد مطلق النار، فقد تأتي رصاصة طائشة وتحرمها فلذة كبدها، ولكنها مع ذلك لم تجادله، ليقينها أن البطء الذي يعاني منه في تعلم العزف سيجعله بعيداً عن تحقيق فكرة الشغل في الأعراس.
قال أبو محمد: يا أبو المراديس أنت شوقتنا لنعرف شلون طلع أبو سمرة من هالورطة، وما كملت لنا الحكاية.
أبو المراديس: يا سيدي، أبو سمرة بقي متخبي بداره شي أسبوع، وكانت والدته تنوع في الكذب لما يجي حدا يسأل عنه، بناء على اقتراحات أبو سمرة طبعاً، مرة تقول إنه سافر على دير الزور، ومرة تقول بحمص، ومرة في الهبيط، لوقت ما اندق الباب مرة، وأم سامر قالت: مين؟ أجاها صوت ابن أختها أحمد، قال لها: افتحي خالتي أم سامر، أمي بعتت لك معي صحن قطايف بقيمق.
ولما فتحت الباب تفاجأت بأحمد ومعه شي عشر رجال، شافت بيناتهم أبو يعقوب وأبو نادر. طبعاً بهالحالة صار أبو سمرة تحت الأمر الواقع، طلع من الغرفة الجوانية، ورحب فيهم ودعاهم للجلوس.
أم زاهر: لازم بقى أبو سمرة يعترف لهم بالحقيقة. الصدق بهيك حالات هو الحل الوحيد.
أبو المراديس: صح. لكن الشي الجميل بشخصية أبو سمرة هوي سرعة البديهة، والمقدرة على تأليف أحداث ما أنزل الله بها من سلطان، ومع ذلك بتظهر وكأنها منطقية، وصحيحة.
أبو ماهر: يعني استمر بالكذب؟
أبو المراديس: يا سيدي، بعدما حكوا الأصدقاء اللي جايين، وحكى أبو نادر، وأبو يعقوب، والكل حطوا الحق على أبو سمرة، لأنه تقاعس في استقبال صديقه أبو يعقوب. أجا الدور لأبو سمرة.
وقال: بدي أسأل أخونا أبو يعقوب، لما دق الباب، وحكت معه أمي، شافها، ولا كانت عم تحكي معه من ورا الباب؟
أبو يعقوب: من ورا الباب. لأن لو فتحت كنت أنا بدي أشوفك قاعد وعم تدق ع الكمنجة، وبتنكشف الكذبة تبعك.
أبو سمرة: أي كذبة يا رجل؟ أنا بكذب؟ مستحيل. بصراحة الموضوع كان فيه شوية إحراج، وأنا ما كنت مفكر إحكيه. لكن طالما إنتوا جيتوا صار لازم إحكيه.
أبو نادر: تفضل إحكي لنشوف.
أبو سمرة: المَرَا اللي كانت عم تدق ع الكمنجة وحكت مع أخونا أبو يعقوب مو أمي!
(للقصة تتمة)