هزليات السياسة الأسدية (35)

13 فبراير 2020
+ الخط -
النقود في جوف المخدة
(يلجأ المسؤولون في نظام الأسد إلى الخطابة في كثير من الأوقات، وبالأخص في وقت الزنقة). هذا ما قاله الأستاذ كمال تعقيباً على حكاية أبي الجود مع قائد شرطة إدلب العميد الركن أبي عزام. وقال:

- أنا بشوف إنه هوي كان عم يفكر بصوت مسموع قدام "أبو الجود"، وقرر إنه يسرق الموتوسيكلات المصادرة ويبيعها، ولما انتبه لنفسه توقف، وبلش يجري حسابات من نوع تاني، لأنه هوي في الأصل ما بيعرف أبو الجود، ولا بيوثق فيه، فكيف بده يشاركه على سرقة من هالنوع؟ أكيد خاف إنه لسان أبو الجود ينفلت، ويحكي بين الناس إنه قائد الشرطة حرامي، وكما هي العادة عند أركان نظام الأسد، لما الواحد منهم بينزنق بيلجأ للخطابة. منشان هيك هوي عبس في وجه إبو الجود وقال له:

- أنا كنت أمزح معك يا رفيق أبو الجود، أنا إنسان شريف، ونظيف اليد، ومن مدرسة البعث العربي الاشتراكي النضالية، ولعلمك أنا من أكبر المعجبين بشخصية القائد العربي الكبير حافظ الأسد بطل تشرين التحرير وتشرين التصحيح..

وانتقل فجأةً من العامية إلى الفصحى وقال:
- حافظ الأسد، هذا القائد المغوار الذي سيحرر الجولان، وبيت المقدس، وسيناء، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وسيمشي على مبدأ التحرير حتى يتم له تحرير الأمة العربية وتوحيدها من المحيط للخليج، ويجعلها دولة عظمى مثل الاتحاد السوفييتي الذي أوقف الإمبريالية العالمية عند حدها، ومنعها من قهر الشعوب المتطلعة إلى التحرر والسلام والعدل، وأجبرها على خوض الحرب الباردة.


قال أبو الجود: بصراحة؟ أنا ما كنت بعرف نوايا أبو عزام الحقيقية، وظنيته إنه كان خايف من النحس تبعي.

قال كمال: هادا موضوع النحس بيصلح للتسلية والمزاح، وأنا برأيي إنك إنسان طبيعي وما في عندك جنس النحس، لكن إنته قليل الحيلة، وطيب، وغلبان متل معظم أبناء هالشعب المبتلى بالديكتاتورية والفساد والخطابات.

قال أبو الجود: نسيت إحكي لكم شغلة. أنا لما حكى معي أبو عزام بهالطريقة الحقيرة انزعجت منه، وطلبت منه ينزلني من السيارة حتى أكمل الطريق على قريتنا مَشي، لأني بوقتها كنا قريبين من الضيعة. قام هو التفت علي وقال لي:

- كول هوا. خليني أوصلك.

ولما وصلنا قدام بيتي صف السيارة ع اليمين وطلع من جيبه ورقة وقلم وكتب: إلى رئيس كراج الحجز. لتسليم حامل هذه الورقة السيد (...) دراجة نارية مصادرة. وناولني الورقة وقال لي:

- حط اسمك هون في الفراغ، وروح استلم موتوسيكل وبيعه واستنفع منه، إنته إنسان فقير وبرقبتك عيال.

أنا من فرحي ابتسمت. فاستغل هوي الفرصة وقال لي:

- كمان منحوس، وكل يوم بتاكل بهدلة من مرتك.

وضحك، وشغل السيارة وانطلق.

قال أبو محمد: أنا شايف إنه هوي بيحبك يا أبو الجود.

قال كمال: إنته قلبك طيب يا عمي أبو محمد. هدول المسؤولين الفاسدين ما بيحبوا حدا، وأنا بشوف إنه لما صار يجيب أبو الجود حتى يسهر معه كان هدفه التسلية، لأنه أبو الجود بالفعل إنسان مسلي، وحضوره جذاب، ولما عطاه ورقة لاستلام موتوسيكل أول مرة ما كان إله هدف، لكن في المرة التانية كانت مقصودة، والقصد منها إنه يورط أبو الجود ويسجل عليه موقف حتى إذا أبو الجود حكى شي هوي بيقول إنه أبو الجود هوي اللي عم يتاجر بالموتوسيكلات، والدليل إنه أخد موتوسيكلين خلال زمن قصير، والتنين اللي أخدهم ما كانوا للاستعمال الشخصي وإنما للتجارة.

قال أبو الجود: والله يا أستاذ كمال أنا ما بفهم بكل هاي الأمور. أنا اللي بيهمني إني كنت مفلس متل العادة، وأخدت الموتوسيكل وبعته، وعشنا أنا وعيلتي كم يوم ظراف قبلما إرجع للطفر. وإذا كان العميد أبو عزام كان مفكر يورطني طز، أنا مو سائل عليه ولا على توريطاته، خليهم يقولوا أخدت موتوسيكلين وبعتهم وصرفت تمنهم عالملذات الشخصية، هادا الحكي أنا بحطه على قفا كندرتي.. على كل حال لسه في شغلة ما حكيت لكم عليها، إلها علاقة بقائد الشرطة.

قال أبو ماهر: شو؟ أنا شايف كل ملفات الشرطة صارت موجودة عند أخونا أبو الجود.

قال أبو الجود: ما عندي ملفات ولا شي. بس في يوم من الأيام صارت رجلي اليمين توجعني، وصرت لما إمشي أحس بتعب. وهاي أول مرة في العمر بتتضامن معي أم الجود. شافتني قاعد وعَمْ إتألم من رجلي، ما شفت غير جابت مخدة عتيقة وقالت لي: خود يا حبيب قلبي يا أبو ولادي، ما في شي بيغلى عليك.

ضحك أبو ماهر وقال: عطتك مخدة؟

قال أبو الجود: نعم. وأنا قلت لها إنه هاي لأيش؟ قالت لي: افتقها. فتقتها لقيت جواتها شي تلاتين ألف ليرة. قالت لي: روح بكرة اشتري موتوسيكل، لأنه وجع رجليك سببه المشي. أنا أخدت المصاري تاني يوم ورحت على بازار الموتوسيكلات في إدلب. وصرت أدور على موتوسيكل، وبالصدفة التقيت بإبن قريتي أبو هشام. حكيت له قصتي، قال لي: بدك موتوسيكل كويس ورخيص؟ قلت له: أي نعم. قال لي: روح اشتري من موتوسيكلات "المعلم". قلت له: مين المعلم؟ قال لي: أبو عزام قائد الشرطة. شايف هداكا المحل اللي بآخر البازار؟ هادا لواحد اسمه "أبو مصطو"، مستلمه شخص اسمه "أبو دباح الديك" كل يوم بيجيب تلات أربع موتوسيكلات وبيبيعها بسرعة، لإنه ما بيحب يطول في البازار. عرفتوا مين أبو مصطو؟ هادا رئيس كاراج الحجز. هادا حسب ما سمعنا بعدين صار شريكه لأبو عزام على تصريف الموتوسيكلات المصادرة. أي نعم.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...